الرئيسية » الأرشيف » لجنة جهة مراكش لحقوق الإنسان تتدارس العقوبات البديلة

لجنة جهة مراكش لحقوق الإنسان تتدارس العقوبات البديلة

الكاتب: 
منير الشرقي مراكش 24

 نظمت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لمراكش لقاءا دراسيا حول العقوبات البديلة بمدينة آسفي أطره الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان محمد الصبار   و ابراهيم بنتزرت رئيس المحكمة الابتدائية بآسفي ، و فاطمة اوكادوم رئيسة غرفة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء ممثلة لجمعية ماما آسية و امحمد الشقوري نقيب سابق و عضو هيئة المحامين بآسفي .. اللقاء الذي يندرج في إطار كرسي جامعة القاضي عياض اعتبره رئيس اللجنة الجهوية الأستاذ مصطفى العريصة في كلمته الافتتاحية فرصة لفتح نقاش عمومي بين مختلف الفاعلين في الحقل الحقوقي  و القضائي و المدني و الأكاديمي من أجل تشخيص واقع  السياسة الجنائية ببلادنا و الإسهام الإيجابي في إعداد ميثاق متطور لمنظومة العدالة مشيرا إلى أن رهان العقوبات البديلة يندرج في سياق مراجعة الفلسفة الجنائية بما ينسجم مع المواثيق و المعاهدات الدولية الداعمة لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب  …
وأكد محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن أي مسعى لإدراج العقوبات البديلة في المنظومة الجنائية الوطنية يجب أن يتأسس على مقتضيات البابين الثاني و السابع من الدستور و اللذان يتضمنان على التوالي المقتضيات المتعلقة بالحريات و الحقوق الأساسية ، و السلطة القضائية و حقوق المتقاضين و قواعد سير العدالة . و إعمالا لالتزامات المغرب الدولية و الإقليمية فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان – يضيف الأمين العام للمجلس – يوصي في إطار تنويع العقوبات البديلة باعتماد المرجعية الدولية التصريحية و خاصة مختلف قواعد الأمم المتحدة و الوثائق المختلفة الصادرة عن هيئات مجلس أوروبا في مجال العقوبات البديلة .. و تبعا لذلك فإن مذكرة المجلس حسب الأمين العام تدعو إلى تنويع تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية كبديل عن الاعتقال الاحتياطي و تنويع تدابير مسطرة الصلح و تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية في إطار مسطرة الإفراج المؤقت و التنصيص على التدبير التكميلية بمسطرة الإفراج المقيد بشروط و التنصيص في قانون المسطرة الجنائية و في مدونة تحصيل الديون العمومية على تدابير بديلة لتنفيذ الإكراه البدني إلى جانب إمكانات أخرى تتعلق بتدبير العقوبة كالحرية الجزئية و تعليق أو تجزيء العقوبة .. كما أكد الأمين العام في ختام عرضه على ضرورة صياغة استراتيجية شمولية لإدراج العقوبات البديلة  ضمن تدابير لسياسات عمومية متكاملة بتوسيع عرض مراكز التكفل و إعادة تأهيل المجموعات الأكثر هشاشة المستفيدة من العقوبات البديلة إلى جانب إعداد مخطط لدعم قدرات مهنيي العدالة في مجال تحديد العقوبات البديلة   و تنفيذها . .
من جانبه دعا الأستاذ ابراهيم بنتزرت رئيس المحكمة الابتدائية بآسفي إلى الاحتياط من استيراد منتوج معين و اعتبر مشروع مسودة القانون الجنائي نصا متقدما .. و توقف رئيس المحكمة على مفهوم العقوبة و الحاجة إلى ضمان التوازن ما بين الردع و تنفيذ العقوبة من أجل حماية المجتمع و حماية الضحية.. و اعتبر أن استبدال العقوبة الحبسية السالبة للحرية بعقوبة بديلة ينبغي أن يقترن بشرط قبول الضحية و إصلاح الأضرار التي أنتجتها الجريمة و ضرورة حضور المتهم و مثوله أمام المحكمة  احتراما للمؤسسات و اعترافه بالجريمة و اشترط استفادة الضحية من حقوقه قبل تنفيذ العقوبة البديلة ، و طالب رئيس المحكمة بأن يكون تحريك الدعوى العمومية مرفقا بالسجل العدلي للمتابع للتأكد من حالة العود و من الوضعية الجنائية للمتابع .. الأستاذ ابراهيم بنتزرت توقف عند ما حملته مسودة القانون الجنائي من جديد يتعلق بإقرار عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية في الجنح مع استثناء بعض الجنح الخطيرة على اعتبار أن سلب الحرية ليس هو الحل الوحيد للعقاب و لا يجب اللجوء إليه إلا في حالة الضرورة القصوى و بالنسبة للأفعال الخطيرة .. و أشار إلى طبيعة العقوبات البديلة التي جاءت بها مسودة المشروع و منها العمل من أجل المنفعة العامة و الغرامة اليومية و تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير وقائية أو علاجية أو تأهيلية كما أشار إلى الصلاحية التي أضحت في يد قاضي تطبيق العقوبات من أجل تتبع تنفيذ العقوبات البديلة بالنسبة للرشداء و لقاضي الأحداث بالنسبة للجانحين الأحداث . كما أشار إلى تكريس العدالة التصالحية في مشروع القانون الجنائي الجديد و ذلك عبر إيجاد آليات قانونية لإبرام الصلح أو إيقاف سير الدعوى العمومية على أوسع نطاق   خاصة في الجرائم أدنى خطورة و المعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل، و في هذا الصدد أشار رئيس المحكمة إلى مراجعة الحد الأقصى للعديد من الجرائم في اتجاه التخفيض مما سيسمح بزيادة الحالات التي يمكن إجراء عملية الصلح بشأنها حيث انتقلت هذه الحالات من 135 إلى 168 حالة ، بالإضافة  إلى استبدال بعض العقوبات السالبة للحرية القصيرة الأمد بغرامات مالية و حذف العقوبة السالبة للحرية في المخالفات إلى جانب منح المحكمة صلاحيات التوقيف الجزئي للعقوبات السجنية التي لا تتجاوز عشر سنوات دون ان تنزل عن نصف العقوبة المحكوم بها … و في ختام عرضه أكد ابراهيم بنتزرت على أن العقوبات البديلة لا يمكن أن تكون حلا للظاهرة الإجرامية و لا حلا للتقليص من الاكتظاظ السجني ، بل ينبغي الذهاب بعيدا إلى معالجة الأسباب المنتجة للجريمة داخل البيئة الاقتصادية و الاجتماعية .
بالمقابل قدمت الأستاذة فاطمة أوكادوم ( رئيسة غرفة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء و ممثلة جمعية ماما آسية ) أرقاما صادمة لعدد المعتقلين الذين صدرت في حقهم أحكاما بالبراءة ( 2804 حالة ) كما استعرضت الإكراهات التي تعانيها منظومة العدالة كضعف الضمانات و بطء المساطر و الحاجة الملحة إلى التأهيل في المجال الحقوقي بالنسبة لمهنيي العدالة و اعتبرت المتحدثة العقوبات البديلة مفتاحا أساسيا لاسترجاع الثقة في القضاء المغربي و مدخلا مهما للتخفيف من كلفة الاعتقال و من ظاهرة الاكتظاظ السجني .. و من موقعها كمختصة في قضاء الأحداث استعرضت ممثلة ماما آسية مجموع من المقترحات لتفعيل العقوبات البديلة لفائدة هذه الفئة من الجانحين الصغار كالمراقبة الإلكترونية أو التدابير في العطلة المدرسية أو في نهاية الأسبوع أو القيام بأعمال تندرج في سياق المنفعة العامة ، و طالبت في هذا الصدد بإعطاء الصلاحيات للقاضي لملاءمة العقوبة مع الوضع الاجتماعي و الاقتصادي للموجود في حالة متابعة .. و أكدت الأستاذة أوكاوم على ضرورة مراجعة المنظومة الجنائية ببلادنا و ملاءمتها مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، كما شددت على ضرورة التكوين و التكوين المستمر بالنسبة لكل العاملين في منظومة العدالة و خاصة قضاة الأحداث ، كما اقترحت إجراء تداريب مهنية داخل المؤسسات السجنية بالنسبة للخريجين من القضاة الجدد و ذلك من أجل الاطلاع و التفاعل مع قضايا و مشاكل المؤسسات السجنية قبل الولوج إلى ممارسة مهنة القضاء .
و شدد الأستاذ النقيب امحمد الشقوري  على ضرورة الاستئناس بعلم النفس الجنائي من أجل فهم حيثيات الجريمة و هو ما لم يعمل به لحد الآن من أجل الكشف عن مختلف الأبعاد المصاحبة للجريمة و أشار الأستاذ النقيب إلى الصعوبات المتعلقة بتأخير المساطر و تراكم الملفات القضائية  و صعوبة الولوج إلى العدالة الجنائية ، كما نبه إلى الضغط الذي تعرفه محكمة النقض الوحيدة في المغرب مما يطرح معه صعوبات كثيرة تتعلق بآجالات البت التي قد تطول لسنوات ، و نبه إلى الصيغة التي جاءت بها مسودة القانون الجنائي المتعلقة بالعقوبة البديلة و هي غير إلزامية ( يمكن تنفيذها أو عدم تنفيذها )  مما يترك المجال مفتوحا للسلطة التقديرية للقاضي .  كما أشار إلى إشكالية الاعتقال الذي ينبغي أن يكون مبررا و أن يكون للمعتقل حق الطعن في مسطرة الاعتقال .. و شدد المتدخل على ضرورة مصاحبة المعتقلين من خلال برامج التربية و التكوين و الإدماج الاجتماعي .
و في تفاعل مع النقاش الذي عرفه هذا اليوم الدراسي ، أشاد والي جهة دكالة عبدة بمؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي ساهمت في النهوض بالوضع الحقوقي ببلادنا و استدل على ذلك بقرار مجلس الأمن الأخير المتعلق بقضية الوحدة الترابية للمغرب و الذي ثمن الدور الكبير الذي تقوم به هذه المؤسسة الدستورية فيما يتعلق بأجرأة و تفعيل حقوق الإنسان نهوضا و حماية مذكرا أن الاعتراف الدولي بأهمية هذه المؤسسة تتسارع العديد من الدول للحصول على هذه الشهادة و هنأ الجميع على هذه المكتسبات التي تجعل من المغرب معادلة أساسية تحظى باحترام المنتظم الدولي.. و أعرب عبد الفتاح البجيوي عن رأيه الشخصي فيما يتعلق بموضوع العقوبات البديلة ، حيث أشار إلى أن الدستور الجديد بما حمله من حقوق و ضمانات جديدة ، أضحت معها مراجعة القانون الجنائي مسألة أساسية و أشار في هذا الصدد إلى ما حملته  مسودة القانون الجنائي من تنصيص على  العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية معتبرا أن هذا الإجراء لن يكون جوابا لحل إشكالية الاكتظاظ السجني معتبرا أن الإمكانيات المالية التي تتوفر عليها بلادنا قادرة على تأهيل الفضاء السجني طبقا لما تقتضيه المعايير المعترف بها دوليا و المتعلقة بالعيش الكريم للساكنة السجنية و الحفاظ على كرامة السجناء .. مؤكدا على أن إشكالية السجون ينبغي أن تعالج كقضية مجتمعية في إطار سياسة عمومية وفقا لمخطط وطني حتى لا تبقى إشكالية الاكتظاظ بالسجون رهينة بالعقوبات البديلة ، و قدم مثالا على ذلك بما يمكن أن تسمح به إمكانات الجهة مستقبلا كجماعات ترابية في إطار الجهوية المتقدمة للمساعدة على حل إشكالية تأهيل المؤسسات السجنية داخل الجهة مشيرا إلى الموارد المعبأة لفائدة الجهات من خلال صندوق الدعم الاجتماعي الذي سيكون من مهامه معالجة إشكاليات الفقر و الهشاشة .. كما شدد على دور القطاع الخاص الذي يمكنه حسب رأيه أن ينخرط في توسيع العرض السجني سواء تعلق الأمر بالمؤسسات السجنية المؤهلة أو مراكز حماية الطفولة .. و طالب من موقعه إلى إعادة النظر في دور اللجان الإقليمية المكلفة بالسجون بمراجعة اختصاصاتها و صلاحياتها و ذلك بالسماح لها بإعطاء رأيها في بعض العقوبات البديلة و أن تلعب دور الوساطة الاجتماعية إلى جانب الوساطة القضائية طبعا في بعض الجنح كإصدار شيكات بدون رصيد أو الجنح المتعلقة بالصحافة قبل أن تصل إلى عتبة القضاء .