الرئيسية » الأرشيف » المرشدون الدينيون: من ترشيد التدين إلى خدمة التطرف (1)

المرشدون الدينيون: من ترشيد التدين إلى خدمة التطرف (1)

الكاتب: 
الصورة من الأٍشيف مراكش 24

نور الدين بن علا

benalla.geo@gmail.com)

يعتبر ضبط المجال الديني في المغرب من أهم الأولويات الاستراتيجية للدولة ، حيث يحظى ما باث يعرف “بترشيد التدين ” بعناية خاصة من طرف مؤسسة إمارة المؤمنين التي تصرف  مجهودات جبارة و أموال طائلة و رصدت طاقات بشرية كبيرة عبر مختلف المؤسسات التبعة لوزارة الاوقاف و الشؤون الإسلامية من أجل ضبط هذا المجال  أمام تزايد التخوفات الكبيرة سواء من المد الشيعي الإيراني أو المد الوهابي السعودي أو الاختراقات العلمانية و أخيرا من التطرف الديني و النزعات الإرهابية المحدقة خاصة بالشباب المسلمين في جميع ارجاء العالم و في الإقليم المغاربي خاصة…
بقدر أهمية هذه التحديات بقدر تفهمنا للكثير من الإجراءات التي تقوم بها الدولة من أجل المحافظة على المذهب المالكي المعتدل في المغرب، وكان أخرها تكوين ما يقارب 1300 إطار موزعة على أقاليم المملكة، مكلفة بتأطير ومتابعة أئمة المساجد، وقد تم تمكينهم من الوسائل اللوجستيكية الكفيلة بالقيام بهذه المهمة من قبيل شبكات الهاتف والانترنيت والدراجات النارية لتسهيل التنقل خاصة في الأقاليم ذات الطابع القروي بغية تسهيل تأطير أكبر عدد من مساجد المملكة البالغ مجموعها زهاء 40000 مسجد. أزيد من نصفها تقام فيها صلاة الجمعة.
لكن بالمقابل ومن المؤسف -في العديد من الأحيان وفي مختلف المناطق- أن يتحول البعض من هؤلاء “الرجالات ” الذين جندتهم الدولة من أجل حسن التأطير الديني للمغاربة ومحاربة النزعات التطرفية والميولات الدينية الغير مرغوب فيها… يتحولون بوعي أو بدون وعي منهم إلى إتقان دور المنفرين للناس من الوعاظ والمرشدين التابعين للدولة خاصة، ويغدون نزعات الكراهية والحقد على المؤسسات الدينية الرسمية… وإبعاد المواطنين في الأخير من المساجد وبالتالي من التأطير…
لا شك أن مؤسسة إمارة المؤمنين وعبر جهازها الوزاري، ستجد نفسها تنفق أموالا طائلة وميزانية ضخمة على مخططاتها لكي تجني في المدى القصير قبل البعيد ثمارا عكسية تماما لأهدافها ونتائج أكثر سلبية قد تكون أهون بكثير من عدم التدخل في هذا الحقل أصلا، وكل هذا “بفضل ” تصرفات بعض القائمين على الشأن الديني من المرشدين والوعاظ وأعضاء المجالس العلمية المحلية والإقليمية، هذا دون التحدث عن المستوى العلمي والمعرفي الكارثي بل حتى والمستوى الديني للكثيرين منهم…
الشي الذي أصبح معه من الواجب التصدي لكل أشكال هذه الممارسات سواء بالتنبيه إليها أو التحذير منها وإثارة فضول المسؤولين المباشرين على هذا القطاع من أجل الوقوف عليها ومعالجتها وردعها…
وإذ نتكلم على ” المرشدين الدينين والوعاظ الرسمين ” فنحن طبعا لا نقصد التعميم أو التجريح المجاني أو ما شابه إنما نقصد هنا بعض الأشخاص الذين أساؤوا فهم المهمة المنوطة بهم فأساؤوا بذلك إلى نبل المسؤولية التي حملوها بل وأساؤوا حتى إلى زملائهم في المهنة وإلى صورة المسلم الرسالي الوسطي المعتدل في حلته المغربية الجامعة للوحدة الوطنية والمغاربية… ونشد بحرارة على أيدي كل الذين يأدون هذه المهمة الصعبة بتفان وإخلاص
يشكل إقليم الحوز تحديدا -جهة مراكش تانسيفت- واحدا من أهم النماذج لرصد و تتبع السلوكيات المنحرفة و اللامقبولة و المنفرة لهؤلاء الوعاظ و المرشدين، و نموذجا دراسيا واضحا للممارسات السلطوية لبعض الوعاظ و بعض أعضاء المجلس العلمي في حق أئمة المساجد و الخطباء و كل مرتادي بيوت الله في هذا الإقليم، حيث وصل بطش هؤلاء المشرفين على الشأن الديني إلى قمة إذلال و احتقار خدام بيوت الله بل وطعنهم في شرفهم و شرف أسرهم بل و يصل في بعض الأحيان إلى الخوض و المساس المباشر و الصريح في أعراض زوجات و أبناء الائمة و الخطباء من فوق منابر الوعظ و الإرشاد… و أصبح البعض من هؤلاء المكلفين بتأطير الائمة يميل إلى استعمال القوة والسلطة و العنف اللفظي و المادي و المعنوي في كل تجلياته بدون أدنى اعتبار لأبسط حقوق و كرامة هؤلاء الأشخاص كأناس و مواطنين قبل أن يكونوا أئمة أو خطباء…
المثير للاستغراب أن هذه التصرفات والممارسات الشاذة تتفاقم وتتزايد قتامة يوم بعد يوم على مسمع ومرأى الجميع و تتداولها الالسن في جل الأوقات على نطاق واسع لكن لا يزيد ذلك إلا تماديا وغضا للطرف من المسؤولين المباشرين… وهنا تطرح الكثير من الأسئلة التي يستعصي على المواطن البسيط ان يجد لها جوابا مبررا حتى ولو كان كاذبا…
ولأن هذا الموضوع يستلزم منا جميعا نقاشا هادئا ومسؤولا تساهم فيه كل الأطراف من المجتمع المدني والسلطة والقائمين على الشأن الديني، ولأن الموضوع يمس بشكل مباشر بالاستقرار الروحي والاطمئنان الديني للمغاربة ويقض مضجع جميع الغيورين على هذا الوطن الجميل والذين يتصدون بحزم إلى كل أشكال التطرف والتشدد والتعصب…
فإننا سنعمد إلى مناقشة هذه الظاهرة بالتفصيل وتشريح الوقائع والتدقيق في الاحداث بالأدلة والشهادات انطلاقا من تعميق التحقيق في ملف إقليم الحوز وذلك على مقالات متتالية بإذن الله.