الرئيسية » 24 ساعة » أذكياء ولكن تعساء..لماذا؟!!

أذكياء ولكن تعساء..لماذا؟!!

“تعد السعادة في حياة الأذكياء من أندر الأشياء التي رأيتها في حياتي” – إرنست هيمنجواي

من منّا لا يتمنى أن يكون ذكيًا، لم لا و هي الصفة التي يتمتع بها المتميزون، أولئك القادرون على استغلال مواردهم أفضل استغلال، ومن تكون لهم سعة أكبر في استغلال المعلومات وتخزينها، فهم من تجد عندهم وجهات النظر المختلفة، ليس هذا فحسب، بل تجد عندهم الأفكار الأصلية، والاختراعات الفريدة وما ينجح منها في احتلال العالم فكريًا، ولكن هل يكون “إرنست هيمنجواي” على حق في قوله بأن السعادة والذكاء هم من أندر الأشياء التي قد يراها المرء في حياته؟

هل يمكننا اعتبار الأذكياء ضحايا لذكائهم؟

بذكرنا للذكاء لا نعني فقط ذوي القدرات الخارقة في التفكير بالنسبة للبرمجيات والعمليات الحسابية فحسب، بل هناك متفوقي الذكاء الاجتماعي، وأصحاب القدرات الخارقة بالنسبة للذكاء العاطفي، وغيره من أنواع الذكاء المختلفة بالنسبة لمختلف المجالات سواء كانت العلمية أو الاجتماعية وحتى السياسية، إلا وأنه على الرغم من كل ذلك، لا يبدو أن أي من الأذكياء في المجالات السابقة يبدو سعيدًا على الإطلاق.

رحلة البحث عن الأجوبة مرهقة، وخصوصًا كلما تزداد الأسئلة التي يبحث عنها المرء، أو هكذا كان رأي الكاتب “مارتن باج” في رواية “كيف أصبحت غبيًا”، من الممكن أن تتعجب من عنوان الرواية، والتي تسير عكس تيار كل الروايات والكتب الخاصة بالتنمية البشرية، إلا أنها بالفعل خاصة برحلة “أنطوان” من الذكاء إلى الغباء، فمن كونه شخص عالم بكل شيء كان له علمًا على وجه الأرض، إلى أكثر الناس اكتئابًا وتعاسة، ومن ثم إلى اختياره أكثر القرارات ذكاءًا في وجهة نظره، ألا وهو قرار أن يصبح غبيًا.

تدور الرواية حول نظرية تضحية الأذكياء بسعادتهم من أجل قدرات التفكير الخارقة تلك، ولهذا يقرر بطل الرواية “أنطوان” أن يأخد “حبوب حمراء” مضادة للإكتئاب، جعلته يتحول من الشخص العالم بكل شيء، إلى ذلك الشخص الذي لا يهتم بأى شيء، حتى ولو دار في العالم من حوله حروب ومجازر وكوارث.

“يكون الأذكياء هم أكثر ضحايا التفكير المبالغ فيه ”

هل هناك وجهًا آخر للذكاء؟

يعتقد بعض العلماء أن للذكاء وجهًا أسودًا، يوقع الأذكياء في فخه، وربما لا يستطيعون النفاذ منه طوال حياتهم، لعل هذا يفسر مقولة “هيمنجواي” السابقة عن ندرة اجتماع الذكاء والسعادة معًا، فما هو الوجه الأسود الآخر للذكاء؟

أكثر الأشخاص ضحية للتفكير

يكون الأذكياء هم أكثر ضحايا التفكير المبالغ فيه، وذلك لأن أدمغتهم ببساطة لا تتوقف عن تحليل أدق التفاصيل التي تدور من حولهم، سواء كان حدث اجتماعي بسيط، أو خبر سياسي قرأوه في طريقهم للعمل في الصباح، فهم ضحية للتحليل الزائد عن حده، ربما تبدو حكمة أن “التجاهل نعمة” لا تروق الأذكياء كثيرًا، ولكن لا يبالي كل من كان متوسط الذكاء بكل ما يدور حوله، ويتجاهل ما لا يعنيه في كثير من الأحيان، فهذا يجعلهم يعيشون حياتهم ببساطة أكثر، بعيدًا عن تحليل ما يحدث عالميًا وربطه بدوافع البشرية الشريرة وما خلفها من دوافع نفسية داخل كل إنسان ليس لها أول من آخر من الأسئلة وإجاباتها المختلفة.

أن يخذل الإنسان نفسه يبدو أكثر صعوبة من أن يخذل غيره، وهذه هي المشكلة الكبرى التي يعيش فيها الأذكياء، فهم ببساطة يتوقعون أن يسير العالم من حولهم طبقًا لمعاييرهم ومقاييسهم عالية الجودة، رفيعة المستوى، وهذا يظهر بوضوح في آدائهم في العمل، وعدم رضاهم عن أنفسهم لأنهم يتوقعون الكثير في المقابل، وعندما يفشلون في ذلك في بعض الأحيان، لا يستطيعون الخروج من حالة الإكتئاب التي قد تصيبهم لفترات طويلة.

لا يمكن أن يكون المرء حَكمًا قاسيًا على نفسه، فهذا أمر طبيعي من المحيط الخارجي أن يحكم على تصرفاتك وأقوالك، ولكن في حالة الأذكياء، تجدهم أكثر الناس حكمًا على أنفسهم، وبطريقة شديدة القسوة والجفاء، ربما لا يقومون بتلك التصرفات عمدًا، إلا أنها في طبيعة أغلبهم بشكل حتمي، وذلك لأنهم يتوقعون الأفضل دومًا طبقًا لمستوياتهم العالية من الذكاء، ولهذا فهم لا يرضون أبدًا بما هو أقل من التوقعات.

“لا يعاني الأذكياء من التعاسة فحسب، بل يتخدون الوحدة صديقًا ملائمًا لهم ”

الوحدة صديق ملائم للأذكياء

لا يعاني الأذكياء من التعاسة فحسب، بل يتخذون الوحدة صديقًا ملائمًا لهم، ربما لأنه يعد النسبة إليهم من أكثر القرارت ذكاءًا من الناحية الاجتماعية، وذلك لأنهم لا يجدون من يستطيعون التحدث معه، أو بمعنى أدق، لا يجدون من يفهم حديثهم، ويتوافق معهم، ويجري معهم حوارًا ومناقشة هادفة، لذلك تجدهم يأتون بحلول عبقرية لكثير من المشاكل السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية التي تدور من حولهم، ولكنهم لا يجدون من يفهمها، وذلك لأنها تبدو لمتوسطي الذكاء شديد التعقيد بحيث تبدو المحاولة في فهمها مضيعة للوقت بالنسبة إليهم.

هذا لأنك لن تجدهم يتحدثون عن الطعام، أو النميمة على بعض الأصدقاء، أو اتخاذهم العلاقات الإنسانية بين الأصدقاء موضوعًا شديد الأهمية للمناقشة حوله لساعات، فهم يرغبون في التحدث عن كل ما يبدو إليهم شديد الأهمية، مثل العلوم والفلسفة والسياسة والاقتصاد، ولهذا لن تجدهم اجتماعيين بدرجة كبيرة، ولا يمكننا لومهم على ذلك!

“الفن لا ينبع فقط من السعادة، وكذلك الذكاء لا ينبع إلا وتصاحبه التعاسة ”

هل ينتهي الأمر بهم بالأمراض النفسية؟

هل سمعت من قبل عن عادة ارتباط المرض النفسي بالإبداع الفني؟، أثبت التاريخ أن هناك علاقة وطيدة بين الإبداع والجنون، أو هكذا ما كانوا يسمونه قديمًا، قبل أن يتم شرح لفظ الجنون ذلك إلى أمراض نفسية كانفصام الشخصية، مرض القلق، وملازمة اضطراب ثنائي القطب، وهي كلها أعراض للاضطرابات النفسية، عانى منها العديد من فناني الكتابة والموسيقى والرسم على مدار التاريخ، كان منهم “بيتهوفن” و “فان جوخ”.

لا عجب أن من قال من قبل “الفن لا ينبع فقط من السعادة” كان صادقًا، إلا أننا يمكننا القول الآن أن الذكاء لا ينبع إلا وتصاحبه التعاسة، فتشير بعض الدراسات أيضًا إلى ارتباط المعدلات المرتفعة من مستويات الذكاء بالمرض النفسي أو العقلي، مثل اضطراب ثنائي القطب أو القلق المرضي.

إذا كنت تجيب على الأسئلة بأكثر الكلمات صعوبة، وأطولها إجابة وأكثر تعقيدًا، وإذا كنت لا ترحم نفسك من الحكم شديد القسوة على خذلانك لتوقعاتك، ربما تكون بالفعل صاحب قدرات عالية من الذكاء، ولكن ربما ستكون أيضًا تعيسًا!