الرئيسية » الأرشيف » يوميات إنسان معزول (2)

يوميات إنسان معزول (2)

الكاتب: 
سامي صبير مراكش 24

” أنا لا أكتب لأني اكتشفت أن خيالي مختلف، أو لأن شخصا أعرفه ابتسم لي وقال أعجبتني الرواية، أنا أكتب لأنتحر ألاف المرات، ففقط في الرواية يمكننا اختيار أدوارنا، ويمكننا الموت ليبكي في جنازتنا أشخاص لا نعرفهم…” آدم
من خلف الجدار الفاصل بين غرفتين تسمع أغاني صاعدة من مسجلة حفظت مكامن العطب فيها لكثرة اشتغالها وتكرار نفس القائمة مدة شهرين، لكن هذه المرة جذبني صوت غريب على الغرفة وعن نمط أصحابها، لكن ليس بغريب علي صوت أعرفه كما أعرف صوتي :
“أقول في سري
أقول لآخري الشخصي
ها هي ذكرياتك كلها مرئية أمامك”
وفي لحظة أخرى تذكرت عبارة لهذا الشاعر وارتسمت على وجهي ضحكة ساخرة .. تراني أسخر من نفسي التي لم تعرف شيء على هذه الأرض يستحق الحياة ، أم أني سخرت من تناقض أصحاب الغرفة بين الأمس واليوم. 
سأعتبر الأمر سخرية من نفسي، فاليوم على هذه الأرض فقط أشخاص لا يستحقون الحياة، وقنينة خمر فاخرة أتت كتذكار نهاية علاقة غيرت كل شيء، أو فقط جعلتني أنتقل من دور لأخر، بل حتى أتمرد على نص المسرحية وأتدخل في كتابة فصولها.
أية عدالة في الحياة إن كنا مجرد شخصيات ثانوية في المسرحية والمخرج يراقبنا من فوق ويعبث بنا  بينما يتكئ على كفيه، ونحن لا يمكننا أن نحدث أي تغيير سوى الانتقال من دور لأخر لا يختلف عنه.
أشعلت أخر سيجارة متبقية في العلبة، وتحركت من مكاني فقد أزعج الضوء عينيا الثملتين بسبب الخمر، وانتابتني رغبة قوية في الصراخ ولعن هذه الحياة، لم أستطع الصراخ لا اعرف السبب، ربما شيء من اليأس دفعني إلى التراجع عن رغبتي، لا يوجد من يسمع صراخي، فحتى أنا لم أسمع أي صراخ طيلة اثنان وعشرين سنة، أو ربما سقوط عيني بعدما تحركت على كتاب الجمهورية، فوق الرف الموضوع في الجهة اليسرى من الباب، وأتذكر صورة سقراط وهو يعدم حين صرخ، فليس غريبا أن تصير وكأنك لم تكن ما دمنا نعيش في حاوية زبالة على هامش الطريق لا يأبه المارة بما رميا فيها، لذا ربما يقول البعض ملحد؟ أو زنديق؟ وحتى خائن للوطن، كلها تبريرات ستنعتك بها الجرائد في حالة شعر أحدهم بفقدانك، ثم يطبطبوا على يده بهدوء بينما يقولون:
– احرص على ألا تتحدث في الأمر مرة أخرى.
ابتلعت ما تبقى في الكأس وكأني أحاول رفض تصديق ما أفكر فيه.
في الغرفة المجاورة توقف صوت الموسيقى منذ 5 دقائق، فقد تجاوزت الساعة الثانية صباحا، في هذا الوقت تنكشف حياة أكثر وحشة تجول شوارع المدينة الباردة.
في زقاق مظلم تفوح منه رائحة بول تستفز أنفك، تعرت مومس يبدوا من تجاعيد وجهها وترهل نهديها أنها جاوزت الأربعين، لكن هذا لا يشكل فرق للزبون فلا قدرة له على أن يكون من رواد الفنادق الفاخرة حيث تعرض أجساد لم تتجاوز السابعة عشرة…… يتبع