الرئيسية » الأرشيف » مراكش مدينة المتسولين

مراكش مدينة المتسولين

الكاتب: 
ألكسندر كابرييل _حسن ع حسين

ليست مراكش هي تلك المدينة الأنيقة لأغنياء العالم فقط ، حيث يقصدها من يرغب العيش في النعيم و الراحة والرفاهية. للمدينة وجه أخر مغاير تماما. فمراكش هي أيضا مدينة المناجاة الروحية والهدوء والراحة حتى بالنسبة لفقرائها.

حياة على هامش المجتمع

الحاج محمد شيخ نحيف بلباس أسود وبدون أسنان. وقد ترك الدهر تجاعيد عميقة في وجهه الذي تغطيه لحية بيضاء مثل بياض الثلج. كما إنه فقط بصره منذ صباه وبات ضعيف البنية يتكئ على عكاز خشبي ويتقدم بخطوات بطيئة إلى الأمام. ” الله كتب لي هذا المصير وأنا راض بما كتبه لي الله واقبله منه لأن ذلك من مشيئة الله” هكذا يقول الحاج محمد بدون انقطاع
في زاوية ” سيدي بلعباس” الواقعة في شمال مدينة مراكش وخلف “باب تغزوت” الكبير وجد الحاج محمد ملجأ له. فهو يأتي إلى هذا المكان يوميا وذلك منذ أربعين عاما. ويحصل محمد وفي ظل أروقة الزاوية على وجبة طعام وقدح من شاي النعناع المحلى بالسكر. المهم للحاج محمد في هذا المكان هو لقائه بنظرائه من المكفوفين ليتقاسموا جميعا معاناة الظلام الدائم. إنهم المعاقون، الضعفاء في المجتمع. والزاوية هي مكان روحي لمن يريد الصلاة والتعبد والمناجاة. المكان يقع خلف مسجد وباب ابيض كبير. وتحمل الزاوية أسم سيدي بلعباس أحد أشهر المتصوفين الصالحين السبعة المعروفين في التراث الشعبي المراكشي، والذي عاش في القرن الثاني عشر وخصص حياته للعبادة ، حيث قام بأعمال الخير وخدم الغير عبر نكران الذات. وكافح سيدي بلعباس من اجل العدالة وكان يوبخ الأغنياء في خطبه، فيما كان يعتني بالفقراء عموما وبالمكفوفين خصوصا. تراثه وسيرته أصبحت جزءا من عادات وتقاليد المدينة الإسلامية فانتقلت إلى عصرنا الحاضر.ويصلي الناس في الزاوية من أجل التبرك به. فالحياة في زاوية سيدي بلعباس تدور حول العطاء والجود وفق مبدأ ” لا جزاء و لا شكور”. ” كان عليه ان يعطي ليستمر في الحياة” كما قال كامل طباع الذي يخلف الآن سيدي بلعباس بعد 800 عام من وفاته.

ملاذ اللاجئين

كامل طباع يدير مؤسسة اجتماعية تعتمد على تبرعات الزائرين التي يتم توزيعها على الفقراء والمحتاجين الذين يتزايد عددهم باستمرار. حاليا يعيش حوالي 2000 فقير ومحتاج من التبرعات التي يحصل عليها كامل طباع. ولكي يكون التوزيع عادلا لابد من تنظيم المساعدات بشكل جيد. فالمحتاجون يحملون بطاقة تدون عليها المبالغ المالية التي يحصلون عليها من المؤسسة شهريا. ويعلم طباع جيدا بما يحوم من تهم موجهة إلى المؤسسة والتي مفادها أن المؤسسة هي عبارة عن ورقة التوت التي تغطي على عورة المدينة من إنحطاط وتدهور، فيما يخص عيش الترف والبذخ لأغنيائها. ويعتبر كامل طباع عمل مؤسسته البرهان الساطع على التضامن بين الناس في مراكش. وعند وداعنا في باب الزاوية يلتقي كامل طباع الحاج محمد ويستقبله بقبلة في جبينه ويقوده إلى حيث يجلس أصدقاء الشيخ الأعمى ويقول: ” الناس هنا يلهمونني. لقد غير العمل هنا كل حياتي وفتح بصيرتي فيما يخص الحياة المادية وأقصد النمط الاستهلاكي”. ويضيف طباع أن النمط الاستهلاكي في الحياة يشكل „سموما” تتسلل إلى المجتمع الذي يجعل نمط الحياة السريعة هي السائدة، حيث تتولد الحاجة إلى ” ضرورة” امتلاك المزيد من الأشياء المادية. لكن من يتابع حياة الفقراء في زاوية سيدي بلعباس يتأمل الحياة الاستهلاكية من زاوية أخرى. فبعض الفقراء يأتون إلى الزاوية من ضواحي تبعد أكثر من عشر كيلومترات ومشيا على الأقدام لاستلام مبلغ سبع يورو شهريا وهم في ذلك شاكرين. ويقول طباع ” أنا أشكر الله الذي منحني الفرصة لأعيش هذه التجربة الغنية”.

DW