الرئيسية » الأرشيف » مآزق العقل الانفصالي الصحراوي

مآزق العقل الانفصالي الصحراوي

الكاتب: 
رمضان مصباح الإدريسي

 

الجزائر الخرائطية:
أحدثُ مؤشر على أن العقل الانفصالي الصحراوي/المغربي يواصل عبور حقل الألغام ،العسكرية والسياسية،هو تهديده المغرب-وحتى المجتمع الدولي- بالعودة إلى حمل السلاح والاقتتال؛أي إلى أجواء ماقبل مستهل الثمانينيات؛حيث حسم الجيش الملكي الأمر عسكريا ،وحصن أمن صحرائه ببناء الجدران الستة؛وتفعيل خطة “مارشال” تنموية شاملة للأقاليم الجنوبية،قضت على كل أحلام الانفصاليين في تأسيس حواضن شعبية داخلية، تبث أطروحاتها لتحويل الصحراء الى جسد بدون روح.جسد بين يدي المغرب ،وروح هناك حيث تُدبر الأمور بليل، لزيادة توسيع  خريطة الجزائر-على حساب المملكة – وتكثير سوادها.
رغم كل ما تدلي به الجزائر الرسمية – وهي عسكرية الهوى والهواء- من “تعفف” فليس وراء الأكمة غير هذه الحقيقة المرة التي يعرفها المجتمع الدولي ،ويسكت عنها،نفاقا ليس الا.   إن من يحتمي بشعار الأدغال الإفريقية –  مرجعية الحدود الموروثة عن الاستعمار- ليواصل احتلال الصحراء الشرقية المغربية ؛سيجد من باب أولى التمترس خلف المبدأ ألأممي:    ” حق الشعوب في تقرير مصيرها”،ليواصل نشاطه الخرائطي.
منذ مستهل الثمانينيات الى اليوم جرت مياه كثيرة تحت الجسر :انهار الاتحاد السوفييتي ،سقط جدار برلين،انتهت الحرب الباردة،ظهرت تكتلات سياسية و قوى اقتصادية جديدة،اندلعت الحرب العالمية ضد الإرهاب،دخل العالم العربي مخاضه الكبير،ألقى الأوروبيون القبض على مذنب في السماء..  كل هذا لا يغري جبهة البوليساريو بشيء؛ولو بقراءة ابتدائية تمكنها من بلورة تصور للحل ،ذي جدية ومصداقية،يخرجها من مآزقها ،ويفتح لها فتحا ضمن الوطن الأصلي الذي لا يتصور فيه مواصلة تزكية لصوص الخرائط.
لا أقول هنا بالغباء السياسي ،لأن كوادر الجبهة ،الذين التحقوا بالوطن، أبانوا عن مقدرات فكرية وسياسية مهمة،كما برهنوا على أن عشرات السنين من “فورمتاج” المخابرات العسكرية الجزائرية،لم تأت على كل الخلايا الوطنية في قرصهم الصلب.
يبقى أن التفسير يكمن ،حسب رأيي المتواضع،في كون جبهة البوليساريو لم تنهزم أمام الجيش الملكي ،في معارك الصحراء؛وإنما أمام الجيش الجزائري الذي قادها  أسيرة  إلى “غوانتنامو” الصحراء ،هناك في لحمادة ،حيث تشرق الشمس كل يوم ،على أكبر سجن عالمي فوق الأرض. سجن لا يقل فضاعة عن مجمعات النازية في أوروبا، التي احترق فيها اليهود ،بجريرة كونهم يهودا لا غير. ان الأسرى المغاربة الذين عادوا الى الوطن – من تندوف-  وقد استمعت الى بعضهم ،لا يعرفون مُجمع “أوشويتز” النازي ؛لكنهم حينما يحدثونك عن ظروف أسرهم ،تُلح عليك هذه الفضيحة البشرية الأوروبية ،بكل فضاعاتها. لم يكن السجان الصحراوي،في تندوف، يتميز كثيرا عن السجين،كلنا كنا أسرى؛يقول أحد هؤلاء.
من هنا كل مآزق العقل السياسي الانفصالي،و بصفة خاصة تهيبه –وليس عجزه- من القراءة التفصيلية البناءة لمشروع  الحكم الذاتي الذي وضعه  المغرب سنة 2007 بين يدي الأمم المتحدة ،والقوى العالمية الكبرى؛كإجابة ذات ثقل سياسي،أو قل بأعالي وأسافل،على خطة “جيمس بيكر”- 2003- التي تبدأ مغرية بالحكم الذاتي،لتنقلب عليه ،دافعة المنطقة صوب مجهول ،ترغب فيه الجزائر الخرائطية ،كما أسلفت.

مأزق الحكم الذاتي:
لم يدبره المغرب بليل ،كما تفعل الجزائر الرسمية ،إذ تجند لخرائطيتها حتى أفاعي الصحراء وثعالبها؛بل أسسه على مرجعية تاريخية موثقة بقوة؛فلم تعن بيعة الصحراويين للملوك المغاربة ،مع الاحتفاظ بتدبير أمورهم العامة،غير ما يعنيه مفهوم السيادة المغربية في مشروع الحكم الذاتي.(تتحدث الكتابات الكولونيالية عن كون الشيخ ماء العينين كان يستقبل في مراكش استقبال الملوك).
ويقدم المشروع بين يديه –عربونا على المصداقية ،وصفاء السريرة- أربعين عاما من الإنفاق التنموي المتكامل ؛لجعل الصحراء تسرع الخطى في معراجها الحضاري صوب الوطن؛وقد أخَّرتْنا قليلا ،لكننا ننعم برفقة إخواننا في الوطن.أنعم بها من تضحية.  وما دمنا نصدق وثائق “ويكيليكس” أكثر مما نصدق المخزن المغربي،فلنستمع إليها تشهد:
“بأنّ المغرب ينفق ما يقارب الـ2,7 مليار دولار سنويا لتنمية مختلف ربوع الصحراء، رغما عن عدم تجاوز تعداد سكانها لـ 385 ألف نسمة.. وقالت ذات |الوثيقة|التقرير” الصادرة عن السفير الأمريكي بالرباط بتاريخ 17 غشت 2008، والموجّهة صوب وزارة الخارجية بواشنطن، بأنّ معدّل الإنفاق المغربي على مشاريع التنمية والدعم الاجتماعي بالصحراء تفوق مستوى الإنفاق المماثل ضمن باقي جهات المملكة.. وأنّ تطور الاقتصاد المغربي قد مكّن خزينة الدولة من تحمل هذا الإنفاق المرتفع مقارنة بالماضي”  
وتواصل الوثائق شهادتها السرية ،التي لم يملها أحد على الدبلوماسيين الأمريكيين:
” ان الإنفاق الرسمي على التنمية بالصحراء قد أفلح، رغم بعض الاختلاسات المسجلة في هذا الإطار، في تحقيق مستويات مرتفعة من التطور العمراني.. وان  هذا الاستثمار هو الذي جعل مدينة من حجم العيون يغيب عنها السكن الصفيحي، قبل أن تضيف: “المؤشرات الاجتماعية ومستوى الاستفادة من التعليم والخدمات الاجتماعية يعلو بالصحراء عن متوسط المعدّلات المحققة بالمغرب”“.