الرئيسية » الأرشيف » سامي صبير يكتب : يوميات إنسان معزول الحلقة3

سامي صبير يكتب : يوميات إنسان معزول الحلقة3

الكاتب: 
سامي صبير

 

“إن كاتب هذه المذكرات والمذكرات نفسهما وهميان طبعا، وبالرغم من ذلك فإنني لا أقوال بأنه من الممكن أن يوجد مثل هذا الشخص في المجتمع وحسب وإنما أقول أنه موجود فعلا…” فيودور دوستويفسكي 

… في الغرفة المجاورة توقف صوت الموسيقى منذ 5 دقائق، فقد تجاوزت الساعة الثانية صباحا، في هذا الوقت تنكشف حياة أكثر وحشة تجول شوارع المدينة الباردة.
في زقاق مظلم تفوح منه رائحة بول تستفز أنفك، تعرت مومس يبدوا من تجاعيد وجهها وترهل نهديها أنها جاوزت الأربعين، لكن هذا لا يشكل فرقا للزبون فلا قدرة له على أن يكون من رواد الفنادق الفاخرة حيث تعرض أجساد لم تتجاوز السابعة عشرة، كل شيء في المدينة أضحى له ثمن يشترى به، حتى حياتنا لم تكن يوما ملكا لنا، فنحن نحيا بأدوار في مسرحية نتوهم بأننا أحرار في عيشها.
للأسف لم أعرف مدى سفاهتي عندما خيل لي أني عرفت أفضع الجرائم، إلا بعد أن عرفت مدى فضاعة ما أعطينا من مسكرات، وكمية المنومات التي لا ينصح بها الأطباء إلا في محاولة شخص الانتحار.
عندما تقرأ في الجريدة أن القانون لا يحمي إلا المترفين من خلال خبر منشور في الزاوية اليسرى لوسط عدد اليوم، وعندما تفتح القناة فلا تجد غير رواية حفظت كلماتها، وعندما تنظر من نافذة الغرفة فتنتبه لأشباه الموتى النائمين على رصيف الشارع المقابل لك منذ عقد من الزمن دون أن تدري تجاهلك لهم.
كان أصحاب الغرفة المجاورة ثلاثة شباب نازحين من قرية جبلية بضواحي الأطلس الكبير، وكنت قد عرفت ذلك بسبب ملاحظاتي الشخصية لطريقة حديثهم خلال أوقات اجتماعهم في الغرفة، بعدما يقضون ساعات طويلة في شوارع المدينة يتطلعون بعيونهم الفقيرة للبنايات الزجاجية والسيارات الفاخرة، كانت أحاديثهم لا تخلوا من الدهشة والأحلام، فطرق الدوار الصخرية لم تتعود على مثل هذه العربات فلا سبيل لقطعها إلا على ظهور البغال، وحتى وإن أمكن ذلك فلا احد من أبناء ذلك الدوار الكئيب يرغب في العودة له بمثل تلك السيارات بعد أن يغادره، فلا شيء هناك يستحق العودة لأجله.
سبق وأخبرني أحد الأصدقاء من أبناء منطقة مماثلة أنه لا يوجد جحيم أكثر وحشة من قضاء ليالي الشتاء الطويل في “براكة” من القصدير مبنية على سفح جبل لا يعرف الرحمة، وأنهم كانوا يقطعون مسافة 15 كيلومترا مشيا على الأقدام لبلوغ أقرب مستشفى دون أن يحالفهم القدر ليجدوا طبيب أو حتى ممرض، كانت المستشفى عبارة عن بناية مكونة من غرفة واحدة وساحة للانتظار يحيط بها سور غير مكتمل البناء، كانت تشبه لحد كبير زريبة مهجورة على حد تعبيره، في كثير من المرات التي تذكر فيها حياته هناك بدأ في السب والشتم ولعن قدر من يولد في مثل ذاك المكان وينهي حديثه بأن لا شيء هناك يستحق العودة له.
أما ما كان يتسلل لي من الغرفة المجاورة عبر الجدار المتصدع بخصوص الجنس الأخر، فقد سمعت مرة أن أحد الثلاثة وهو ابن فقيه يصلي بأهل الدوار ويحفظ أبناءهم الستون حزب، يقسم لأحدهم أنه لم يحضر لأي محاضرة فقد كان يفضل الجلوس على المقعد الإسمنتي الموجود بين مدخل الجامعة والمدرج ويضل يبحلق في أجساد ما وصفهن بالحور حتى تكاد مقلتاه تقفز من مكانهما، في تلك اللحظة عرفت أن الثلاثة لم تكن لهم أي تجربة مع الإناث…. يتبع