الرئيسية » الأرشيف » خُـلِـقَ لِـيُنتـخَــب !!

خُـلِـقَ لِـيُنتـخَــب !!

الكاتب: 
أحمد إد صالح

“إن الهدف من الانتخابات لا ينبغي أن يكون هو الحصول على المناصب، وإنما يجب أن يكون من أجل خدمة المواطن فقط”….
المقولة أعلاه ليست من هاو يريد أن ينال إعجاب أصدقائه الفايسبوكيين، أو من شخص فاجأته  رغبة التعبير ونشوة الإنشاء، وإنما توجيه بليغ من أعلى سلطة في البلاد للذين يمسكون أنفاسهم هذه الأيام انتظارا لما ستسفر عنه انتخابات الرابع من شتنبر القادم، حتّى يتذكّروا جسامة المسؤولية التي هم مقبلون على تحمّلها في مغرب القرن الواحد والعشرين، ودستور 2011.
ولأن الكثيرين قد يغفلون عن هذه المعلومة، فإن خطاب العرش بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الملك والشعب، جاء ليقطع الشك باليقين ويذكّرهم بما ينتظر المغرب من تحدّيات تتطلب روح المسؤولية والتضحية، وتجعل البلد محطّ الانتظارات المعقودة عليه، في خضم الجهوية المتقدّمة، وبالتّالي التعويل على رجال هذه المرحلة وفي طليعتهم منتخبون صادقون “همهم الأول هو خدمة بلدهم، والمواطنين الذين صوتوا عليهم”.
أيام معدودة إذن تفصلنا عن الانتخابات الجماعية، والمواطنون ينظرون إليها كمخرج واسع من ضيق التفقير والتهميش إلى سعة التنمية والديموقراطية، بنفس جديد يجعل المنتخب في موقع المساءلة والمراقبة، ويعيد لجل المجالس المنتخبة وظيفتها الأساسية التي تتمثل في الدفع بعجلة تحسين الأوضاع، وإعادة جسور الثقة المفقودة في المؤسسات المنتخبة، والتدبير الأمثل للموارد المالية والبشرية الموضوعة رهن إشارتها، بعد أن كانت غالبيتها محلّ نقاشات فارغة تستنزف الجهود والميزانيات.
وإذ يقر العقلاء على وجود فئة تحفظ هذه المبادئ، وتبقى إلى جنب المواطن في السرّاء والضرّاء، فإن جيشا عرمرما من المسؤولين المنتخبين يفضّلون الاشتغال من ولاية لأخرى على البرامج الشخصية عوض البرامج التنموية التي كلّفوا بها، ولا يقدّمون للناخبين سوى قصور من الرمال بين حملة انتخابية وأخرى، ويتربّعون على عرش كراسيهم بإيعاز من أنفسهم أو من غيرهم -من المستفيدين بطبيعة الحال-، ويفصّلون الخرائط الانتخابية تفصيلا يلائم مقاساتهم، حتّى يبقوا الأوضاع كما هي في انتظار اللاشيء.
ورغم أن (مارثن لوثر) يحكى عنه: “إذا أردت أن تفضح شخصا ما فامنحه سلطة”، فإن غالبية سياسيينا ممن عمروا طويلا في سدّة التسيير و”السلطة” ولم يحقّقوا المطلوب منهم صاروا بلحمهم ودمهم في عرف الناس فضائح بجلاجل -على حد تعبير إخواننا المصريين-، امتلكوا معها مناعة قوية جعلت وجوههم قابلة للطّيّ واللّفّ والدّوران على شاكلة “الصندالة” البلاستيكية التي ينتعلها الواحد منّا في بيته، إلى درجة أنهم لا يتورّعون في مناداة المواطن البسيط بالتصويت عليهم مجدّدا، ومن يدري، يوما ما سيطلبون منه أن يعطيهم تفويضا لتُكتب الكراسي بأسمائهم لدى أرباب التوثيق.
هذا الشّره الكبير الذي ينتاب السياسيين المعمرين مع كلّ عمليّة انتخابية حالة نفسيّة معقّدة دفعت بالكثير من المنتمين للأحزاب “الشعبية” وفي مقدمتهم الشبيبات، إلى التّوجّه قسرا نحو أحزاب “الإدارة”، أو تشكيل وعي سياسي جديد في سبيل البحث عن كيفية إثبات الذات ولو على حساب بعض المبادئ.
وحتى لو سلمنا بغياب قانون يمنع من التأبيد على كراسي المجالس المنتخبة دون فائدة تذكر اللهم إلا فوائد شخصية جليلة، فإن الحزب الذي يرعى مثل هذه الظواهر اللاأخلاقية يعلن نفسه ميّتا –ولو سريريّا على الأقلّ-، إذ يفقد الخلف في كفاءات لها وزنها وشبابا يحمل مشعل المبادئ ويناضل لأجلها، ويفقد مصداقيّته التدبيريّة محليا وجهويا ووطنيا، ويجبر المنخرطين في العمل الحزبي إلى إعادة حساباتهم، ويكرس عزوف الشباب، ويدفع بالممارسة السياسية نحو المجهول.
فليس من السهل أن تستحوذ الأسماء القديمة على اللوائح وتدرج أخرى (مّالين الشكاير) لا تعرف في الأحزاب إلا اسمها، في وقت تترنّح الكفاءات في سلّم التراتبية الحزبية، وتترك بعيدا عن مراكز الأضواء والقرار. لذلك، فإن تجميد العضويّات والاستقالات التي سمعنا عنها محلّيا ووطنيّا إشارات بليغة لمن يهمّهم الأمر لإعادة النظر في طريقة التعامل مع القواعد، وإلّا صار الحزب السياسي بحقّ دكّان تزكيات يعمل على إنتاج كائنات خُلقت خصّيصا لتُنتخب.