الرئيسية » الأرشيف » السعيد مازغ يكتب : اقحام المؤسسة الملكية في صراعات حزبية وسياسية ضيقة هو منتهى الردة السياسية

السعيد مازغ يكتب : اقحام المؤسسة الملكية في صراعات حزبية وسياسية ضيقة هو منتهى الردة السياسية

الكاتب: 
محمد السعيد مازغ

صدحت نبيلة منيب الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد بالحقيقة المرة،
ووضعت الحكومة ومن يتحدث باسمها، والمعارضة ومن يمثلها أمام مرآة شفافة
كاشفة للعورتين معا، لم تكن المرأة الوحيدة وسط مجمع الذكورة لتسبح مع
هذا التيار أو ذاك، ولا أن تلعب بالكلمات وتمطَطها كما يمطط الطفل
العجين، كانت صراحتها المستفزة ومواقفها المبدئية بمثابة صرخة تزلزل
مجموعة من الطابوهات، وتنشد مغرب الحداثة والكرامة والعدالة الاجتماعية،
نأت “النبيلة ” بنفسها عن التقوقع  من أجل الظهور بمظهر المدافع عن
الحكومة وسياستها المتبعة، أو المتحيز لمواقف المعارضة البرلمانية
والمبرر لاختياراتها على مستوى اللجوء إلى التحكيم الملكي، والمطالبة بقص
أجنحة رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران وتلجيمه إلى أن يقطع مع
خطاباته النارية، وتصريحاته المستفزة لخصومه السياسيين، ويتخلى عن أسلوب
السب والقذف والاتهام المباشر والإيحاء، وغير ذلك من مكر ودهاء من خبَّر
السياسة ومرّ عبر شعابها الملتوية …

كان السؤال المطروح للنقاش في حلقة من برنامج : ” مباشرة معكم” من تنشيط
الزميل جامع كلحسن بالقناة الثانية واضحا وضوح الشمس. يرتبط إطاره العام
بمحور مستجدات الشأن السياسي في بلادنا خاصة مع اقتراب أولى محطات السنة
الانتخابية، حيث بدأ النقاش والجدل يحتدمان بين الفرقاء السياسيين ،
ويتجاوزان أحيانا الحدود المرسومة لهما سلفا، أو إن شئت يتجاوزان الضوء
الأحمر حسب المتداول الشعبي، ومع اقتراب موعد الانتخابات يجد كثير من
السياسيين فرصتهم لاستثمار ذلك النقاش في إطار حملة انتخابية قبل موعدها،
والدخول في صراعات سياسوية عقيمة لا يتولد عنها سوى المزيد من العزوف
السياسي والتشكيك في مصداقية العمل السياسي برمته.
كان سؤال المنشط التلفزي المطروح هو:ّ أي قراءات يمكن القيام بها لطلب
التحكيم الملكي الذي تقدمت به أحزاب المعارضة؟ وكانت الأجوبة متعددة
والتقديرات متضاربة، منها ما يمكن تصديقه، ومنها من يدخل في إطار التهريج
والتضخيم وتزييف الحقائق، ودغدغة المشاعر..
المعارضة تؤكد أنها لجأت إلى التحكيم الملكي لسببين الأول أن الملك
باعتباره رئيسا للدولة وممثلها القانوني الأسمى، فهو الحكم الأسمى بين
مؤسساتها . وبموجب هذه الخاصية الدستورية يتحمل مسؤولية السهر على احترام
المقتضيات الدستورية وضمان حسن سير المؤسسات الدستورية، و صيانة الاختيار
الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وكذا احترام
التعهدات الدولية للمملكة.
والسبب الثاني يأتي بعد ان استشعرت المعارضة البرلمانية نزوعا من طرف
رئيس الحكومة نحو أساليب التضليل لتبرير العجز والإخفاق، معتبرة ذلك
سلوكا يضر بالاختيار الديمقراطي، كما بدا لها أن رئيس الحكومة يسعى
لإقحام جلالة الملك في أمور خلافية كان بالإمكان تدبيرها باعتماد مجموعة
من الوسائل البديلة المشروعة، وأن على رئيس الحكومة ان يلتزم بتقديم
نتائج تدبير الشأن العام، ومآل الوعود والالتزامات التي اتخذتها الحكومة
على عاتقها أمام الشعب بدلا من الاختباء والتلميح بأن المؤسسة الملكية
راضية عن أداء رئيس الحكومة واعضاء حكومته.
المدافعين عن التجربة الحكومية يرون من جهتهم أن الإشكالية الحقيقية
تتجلى في فشل العديد من المحاولات التي كانت المعارضة من ورائها كالإضراب
العام، والمسيرات الشعبية وغيرها من المحاولات التي لم يكن لها تأثير
داخل الاوساط الشعبية، والأنكى من ذلك فقد كانت لها حسب زعمهم، نتائج
عكسية حيث ازدادت بفضلها شعبية الحكومة، وارتفع سهم عبد الاله بنكيران.
ويضيفون ان الخلافات الداخلية دفعت بالمعارضة البرلمانية إلى تصريفها عن
طريق الهروب من مواجهة النقاش السياسي المباشر، واللجوء  إلى مراسلة
الديوان الملكي رغم وجود إشكالات دستورية ومبدئية يحددها الفصل 42 من
الدستور الذي ينص على ان التحكيم يكون بين مؤسستين )الحكومة والبرلمان (،
وان المعارضة والاغلبية لا يصنفان ضمن المؤسسات الدستورية.. وللإشارة فقط
فهناك تحليل وسط يرى أنه ولمصلحة الوطن على الجميع ان ينهج منطق التهدئة،
وان الغاية من التحكيم الملكي هو تحقيق التوازن الاجتماعي والسياسي وضمان
التعايش السلمي بين مختلف الفرقاء والمناطق المغربية.
ورغم المحاولات البئيسة لطمس صوت يمثل المعارضة من خارج البرلمان،برزت
نبيلة منيب لتعيد النقاش إلى جادة الصواب بإعادتها طرح السؤال الجوهري
والتأكيد على ان الحكومة الحالية والمعارضة البرلمانية عليهما ان يخرجا
من نقاش يتناول قضايا جانبية لا تهم المواطنين، والانكباب على المشاكل
الحقيقية التي تؤرق الشباب المغربي، والمخاطر التي تهدد السلم والاستقرار
المجتمعي، وان يتجنبا إقحام المؤسسة الملكية في صراعات حزبية وسياسية
ضيقة، معتبرة أن ذلك هو منتهى الردة السياسية، ولم يفت نبيلة التذكير
بأنه في عهد الحكومة الحالية تم ضرب الحريات وحقوق الانسان، والحق في
الاضراب، والسير على منهاج الحكومات السابقة على مستوى تطبيق التوصيات
والخوصصة.. وأشارت إلى ان المعارضة لا ينبغي لها ان تشخص معارضتها في شخص
بن كيران،وان عليهما أي ـ المعارضة والحكومة ـ ان يتقدما بهذه البلاد نحو
الديمقراطية وإحقاق الحقوق، والقطع مع ديمقراطية الواجهة والتطبيع مع
الفساد..