الرئيسية » أقلام » الإنتخابات الجماعية:قراءة في واقع الحال وٱنتظار المآل

الإنتخابات الجماعية:قراءة في واقع الحال وٱنتظار المآل

 

الكاتب:
وليد الورزازي

عملية انتخابية تنتاب الكثير من الديمقراطيين الحقيقيين موجة من التفاؤل و يغازلهم الحلم بالتغيير. لكن ما أن ينتهي الفرز حتى يعود أولئك الديمقراطيون إلى تشاؤمهم و انطوائهم إن لم يزدادوا انغماسا في براثين اليأس و يفقدوا خيطا آخر من خيوط الأمل التي لا زالت تربطهم بالمستقبل.
ولم تشد الانتخابات الجماعية الأخيرة عن هذه القاعدة ، كان كل الذين يؤمنون بالديمقراطية يأملون أن تتغير الأمور،تمنوا أن يصدق المنجمون الذين قالوا بأنهم جاؤوا بهدف محاربة الفساد و المفسدين و تكريس الشفافية و النزاهة. و لاشك أن كل من يطالع العناوين التي تتصدر الصحف هذه الأيام سيصاب و لا ريب بالغثيان و أن كل من ظل يؤمن بإمكانية دمقرطة هذه البلاد سيصبح –بدون شك- مرتدا و يدعوا على ألهته القديمة بالأفول..

الانتخابات الجماعية 2009 كرست واقعا مريرا. و يمكن القول أن هناك شبه إجماع على أن هذه الانتخابات كانت الأسوء منذ الاستقلال. صحيح أن زمن سرقة الصناديق و تزوير المحاضر قد ولى و أن السلطة في مجملها لم تعد تتدخل لصالح زيد أو عمر منذ أن قررت التزام حياد وصفه الكثيرون بأنه سلبي. لكن هذه الشجرة تبدو غير قادرة على إخفاء غابة من الفساد و الممارسات الشاذة. لقد أثر استعمال المال بشكل كبير على إرادة و توجهات الناخبين و اجتهد سماسرة الانتخابات في إبداع أساليب شيطانية تضمن ولاء الهيئة الناخبة التي تعاني من التهميش و الفقر و كان لهم ما يشتهون.

ثم بعد الانتخابات ظهرت الكثير من الممارسات الهجينة بالموازاة مع عملية انتخاب رؤساء مختلف الجماعات المحلية البلدية منها و القروية. و لقد اشتد الصراع على بعض العموديات و الرئاسات إلى درجة منقطعة النظير بحيث أصبح من المستحيل أن يدلي الناخبون الكبار بأصواتهم و يمارسوا واجبهم بسلاسة و في هدوء بعيدا عن الملاسنات و المشاحنات و المواجهات التي لطخت البعض منها بالدماء و بدون اللجوء إلى إنزال المليشيات الموالية لهذا الطرف أو ذاك.و إلى عمليات اختطاف أو إخفاء جزء من الناخبين الكبار و حجبهم عن الأنظار طوال الفترة الفاصلة بين الإعلان عن النتائج و التصويت عن الرئيس أو العمدة أن هذه الصورة القاتمة لواقعنا الانتخابي المرير التي كرستها سلوكيات الكثير من الكائنات الانتخابية خلال المحليات الأخيرة لا يجب أن تمر مرور الكرام. إنها تستدعي أن نقف قليلا لقراءة ما جرى و لفك رموزه من أجل تشخيص الواقع و محاولة استخلاص الدروس تفاديا لتكرار مثل هذه الممارسات أو على الأقل من أجل محاصرتها و تقليصها تدريجيا و تضييق الخناق على الذين يهوون الاصطياد في مياهها العكرة.

لقد أفرزت الانتخابات الجماعية الأخيرة مجموعة من السلوكيات الشاذة التي أثرت بشكل كبير على النتائج المفرزة و ساهمت في إضعاف القليل من الثقة التي لا زال بعض المواطنين يحتفظون بها أملا في غد سياسي آخر مختلف قوامه النزاهة و الشفافية.

إن كل من واكب العملية الانتخابية الأخيرة لاشك أنه لاحظ أن جزءا كبيرا من المرشحين لجئوا إلى استعمال المال بشكل أو بآخر لاستمالة الناخبين. و من المعلوم أن هذا السلوك الشاذ يقتصر على الأحياء الهامشية و العالم القروي حيث يوجد عدد كبير من الناخبين الذين يعانون الإقصاء و التهميش. في حين أن المناطق الحضرية التي تقطنها الطبقات المتوسطة و الميسورة تكون دائما الأقل إقبال على المشاركة في الانتخابات نظرا لعدم إيمانها بجدوى و بجدية هذه العملية.

بكل تأكيد أن عملية التصويت بمقابل مرفوضة رفضا باتا و لا يمكن أن تجد تبريرها لا في الفقر و لا في التهميش. لكن و بفعل تكريسه و مأسسته تحول التصويت الممول إلى عامل سوسيو إقتصادي يشكل جزءا لا يتجزأ من الواقع الانتخابي المغربي. و هو ما يفرض أن يؤخذ هذا العامل بعين الاعتبار في المستقبل ليس فقط على مستوى التحليلات البعدية بل أيضا على مستوى صياغة المعايير المنظمة لكل عملية انتخابية.

إن عملية شراء الأصوات تمس الديمقراطية في كنهها و تفرغ الانتخابات أيا كان نوعها من مفهومها السامي الذي جعل منها ممارسة كونية و حولها على ما يشبه الرئة التي تتنفس من خلالها أفكار الشعوب. و ما يثير الاستغراب في هذا الأمر هو أننا لازلنا نرفض رؤية هذه الظاهرة التي لا يختلف اثنان حول مدى تأثيرها على نتائج الانتخابات و نفضل، ترسيخا لتقليد أحد الطيور القليلة التي لا تستطيع أن تطير، غرس رؤوسنا في التراب عوض الإعتراف بالواقع و مواجهته بأساليب و آليات حقيقية.

لقد لعبت العتبة بكل تأكيد دورا فعالا في صناعة نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة و أتاح اعتماد هذه الألية للأحزاب الكبرى و المتوسطة بسط نفوذها على الخارطة السياسية المغربية إذ منحتها حوالي 90% من المقاعد المتبارى عنها فيما تقاسمت الأحزاب الصغيرة التي تجاوز عددها العشرين العشرة في المائة المتبقية.

لكن، على الرغم من أن اعتماد نظام العتبة يعد من الحسنات التي تحسب لهذه الانتخابات إلى أنه من الثابت أن هذه الآلية تبقى غير كافية لوحدها للحد من بلقنة المشهد السياسي المغربي التي تسببت في إفقاد العملية الإنتخابية الفعالية و الجدية و النجاعة الضرورية و التي تعتبر المسؤول الأول عن فقدان الثقة التي تؤدي إلى عزوف الناخبين و مجافاتهم لصناديق الاقتراع. كيف يعقل أن يكون لنا ثلاثون حزبا سياسيا و أن يزعم كل حزب أنه يتوفر على مشروع سياسي مستقل و على حلول هيكلية للمشاكل التي نتخبط فيها.

لقد تحولت الأحزاب السياسية المغربية مع مرور السنين و في ظل هذا الواقع إلى مصاعد عابرة للصوت تحمل أصحابها من أسفل الأدراج إلى قمم السلطة، و تحولت الساحة السياسية إلى مستنقع ملوث لا يجرأ على الاقتراب منه إلا أولئك الذين يهوون الإصطياد في المياه العكرة. إن إعادة الثقة في السياسة و السياسيين تقتضي إعادة هيكلة المشهد السياسي الحزبي باعتماد آليات و تقنيات أثبت نجاعتها في العديد من التجارب الديمقراطية الرائدة التي إعتدنا الاستئناس بها و سردها كنموذج حي لما نصبوا الوصول إليه.