الرئيسية » الأرشيف » إبراهيم الفتاحي يكتب : عمودية مراكش صراع الجبابرة

إبراهيم الفتاحي يكتب : عمودية مراكش صراع الجبابرة

الكاتب: 
إبراهيم الفتاحي

بدأ صراع الجبابرة على عمودية مراكش يلوح في الأفق، وشرعت غمامته تستجمع شعثها مؤذنة بغزارة “الدماء” التي ستهطل في معركة الإنتخابات الجماعية، وطفق الطامعون في عرش مراكش يرتبون الصفوف ويدرسون ساحات النزال، ويشحذون عتادهم ويهيئون عدتهم، وسينهج بعضهم أسلوب طارق بن زياد فيحرق السفن معلنا في أنصاره أن العمودية أمامهم ومزبلة النسيان وراءهم، وأن العودة إلى الثكنات مستحيل، لأن حياتهم السياسية في فتح قصر البلدية، وما دونه موت بمرارة النسيان. هي الحرب إذن، وطبولها قد قرعت، وستتعدد الجبهات بتعدد القادة الطامعين، فهناك أفروديت Aphrodite السياسة المراكشة فاطمة الزهراء المنصوري، التي ستعض بالنواجذ على الرئاسة، ولن تتنازل عنها بيسر، بعدما اكتسبت تجربة مهمة لولاية كاملة، رغم أنها تسللت خلسة عبر اللائحة الإضافية، ووجدتها “باردة”، لكنها لم تركن لبرودتها، واستثمرت ظهورها السياسي لتحصل على مقعدها البرلماني في تشريعيات 2011 عن جدارة واستحقاق بوكالتها لائحة الأصالة والمعاصرة في دائرة المدينة سيدي يوسف بنعلي، فأنى لها الآن أن تتخلى عن العمودية وقد ذاقت حلاوة الصراعات والمعارك في المجلس الجماعي، و”السلطة نصنعها ثم نصير صنيعتها” على حد تعبير أبي مسلم الخرساني. إلى جانب أفروديت الحمراء هناك هكتور Hector مراكش مروض الخيول، والقائد العظيم لجيش طروادة الدستوري، ذي التكتيكات الإنتخابية المتقنة، وأقصد السيد عمر الجزولي، الذي يتقن الصمت والكلام معا، والخبير في حسابات المعارك السياسية، والذي انتهت استراحته على مايبدو وسيسعى لاسترداد الرئاسة التي قدم فيها الكثير من الإنجازات في الولاية السابقة، وخلف من ورائه بناء مشيدا وأثرا محمودا، وجعل من مراكش مهوى أفئدة المغاربة والأجانب، ورغم الإنتقادات التي يحكم خصومه توجيهها لتجربته، إلا أن الرأي العام المراكشي يستحضر تلك التجربة بنوع من التقدير مقارنة مع التجربة الحالية للعمدة المنصوري التي “شوكت” عمل المجلس الجماعي “تشويكة” الضربان الخائف، فغرقت المدينة في الجمود وتعطلت الأوراش. وتبقى قوة السيد الجزولي لا مثيل لها، فهو عضو مجلس المستشارين، وعضو المكتب السياسي لحزب الإتحاد الدستوري وكاتبه الجهوي، كما أنه من السياسيين المغاربة القلائل ذوي العلاقات الأخطبوتية في أوروبا، حيث تربطه أواصر صداقة قوية مع آل ساركوزي وكثير من عمداء المدن والسياسيين في فرنسا وسويسرا، وإسبانيا، بل حتى مع آل كارلوس في الجارة الشمالية، يعرفه القاصي والداني ببرودة أعصابه وحسن أخلاقه، وأدب حديثه، لا يجرح بكلامه أحدا كبر شأنه أم صغر، يلتمس الأعذار للآخرين حتى وإن كانت زلاتهم جللا، صاحب روية، لا يبوح إلا للمقربين بنية أو طوية، يغضض من صوته ويقصد في مشيه، هو المعلم الأول في السياسة المراكشية، لاعب الشطرنج السياسي الصنديد، يتحكم في الرقعة حتى لو امتلأت بالآلاف. أما المحارب الثالث فهو مهندس الإنتصار في طروادة عوليس Ulysse الحمراء المحامي يونس بنسليمان عضو المجلس الجماعي الحالي، والبرلماني عن حزب العدالة والتنمية الذي فاز في تشريعيات 2011 بمقعده في دائرة المدينة سيدي يوسف بنعلي، واستطاعت لائحته الظفر بمقعدين اثنين، مقعده هو ووصيفه في اللائحة يوسف الغشيم، مع العلم أن مقاعد هذه الدائرة ثلاثة فقط حصد منها اثنين تاركا الثالث للائحة الأصالة والمعاصرة التي توكلتها العمدة المنصوري، وهو ما يضعه في الحسبان أكثر من غيره، خصوصا إن تمكن من ضبط تحالفاته، وهو المعروف بقدراته الكبيرة على المناورة وإمكانية تخطيه أسوار طروادة المجلس الجماعي، لبراعته في صنع المقالب وتدبير الحيل السياسية، وكسبه للمعارك بأقل الخسائر الممكنة، وهو في الوقت نفسه يتقن لعبتا الحرب والسلام، ويعرف جيدا متى يهجم ومتى يتراجع، قارئ موهوب للتحولات والتغيرات في موازين القوى، يبعث الرسائل بمزاحه ويمزح برسائله، ضحوك في الشدة، شديد في النزال، حربه صراع ومرح في الآن ذاته مثل ألعاب “البلايستايشن”.
تأتي xena la guerrière السيدة ميلودة حازب رئيسة مقاطعة النخيل رابعة في حرب العمودية الطاحنة، فهي السيدة ذات التجربة الطويلة، تجربة تمتد لثلاثة عقود من الزمن، حققت خلالها العديد من الإنجازات وتقلدت العديد من المناصب، محاربة لا تتعب أبدا، ولا تركن لليأس خلدا، ثقتها بنفسها لا تتزحزح قيد أنملة، عارفة ملمة بالتفاصيل، خبيرة بالخبايا والرزايا، وبالدسائس والمكائد، يجمع محياها بين ليونة الأنوثة وصرامة المسئولية، تتكلم بقدر وتضحك بقدر، إنها باختصار معلمة الرجال، برلمانية تترأس فريق الأصالة والمعاصرة في الغرفة الأولى، وعضو المكتب السياسي للجرار، تدخلاتها متقنة، وآراؤها وازنة، تشترك مع السيد الجزولي في العديد من الخصال، إذ ينضح كلاهما تجربة ومراسا. أما رابع المجالدين الجبابرة، فهي Athena حامية النساء والأطفال في عاصمة النخيل، السيدة زكية المريني رئيسة مقاطعة جيليز، الأستاذة الحكيمة والمثقفة الجليلة، ذات القدرة الكبيرة على التأثير، وصاحبة القول الثقيل ، قليلة الظهور، قوية الحضور، في عودها مرارة، في كنانتها صلابة، ميالة للرصانة، بعيدة عن السجال وكثرة الجدال، بارعة في اتقاء السهام والنبال، بعيدة عن القيل والقال، لم يسمع عنها زلات في القول أو الفعل، حمامة تتقن الإنزواء عن أضواء القناصة ليلا. لكن أطماعها في العمودية يحتاج إلى كسب الرهان في دواليب حزبها أولا، وهو ما يبقى صعبا شيئا ما في ظل صعود نجم السيدة المنصوري في سماء المشهد الحزبي للأصالة والمعاصرة بمراكش ولقوتها الحزبية نظرا لعموديتها وعضويتها في المكتب السياسي وفي البرلمان. السيد عدنان بن عبد الله “أغامنون” Agamemnon الغزوات التوسعية، رئيس مقاطعة المنارة، ونائب العمدة الحالية، القيادي بحزب الجرار، سادس المتصارعين المحتملين على عمودية الحمراء، وسيكون بدوره ملزما بخوض حرب داخلية في الحزب أولا مع السيدات الشرسات الثلاث: المنصوري وحازب والمريني، وهو المستبعد شيئا ما، فهن جنس سياسي لا لطف فيه ولا رحمة، على خلاف جنسنهن الطبيعي اللطيف الودود، خصوصا وأن الرئيس بنعبد الله قليل الظهور ضعيف التأثير، لا يملك هيبة حازب ولاسطوة المنصوري ولا تكتيكات المريني، رغم أن مقاطعته قوة ضاربة في النسيج السياسي المراكشي، وقد تنكسر حساباته أمام أسوار المجلس الجماعي، وقد ينتصر جيشه الجرار في موقعة العمودية، بينما هو يدفن في ساحة المعركة، تاركا لذة الإنتصار لغيره. وفي غمرة النزال واشتداد الوطيس، قد تشق “أم ميسرة” الصفوف، منسابة عبر الزمن السياسي والرماح الإنتخابية، فتعيث في الخصوم تضرب منهم كل بنان، وأقصد المقاتلة التي تسير خلف الجيوش السيدة جميلة عفيف، وهي سابعة المحاربين المحتملين، فهي عضو فريق الأصالة والمعاصرة بالغرفة الأولى، والتي انتزعت مقعدها في تشريعات 2011 بدائرة جيليز النخيل، والمدعومة بزوجها الحبيب بن الطالب، وقد تخلق المفاجأة، ومن غير الحكمة استبعادها، وقد تمخض حليب الإنتخابات الجماعية لعلها تتذوق زبدة العمودية رغم صعوبة تجاوز الشرسات الثلاث، لأنهن أكثر تحكما بالوضع، وقد يؤدي تعدد “المعلمين” داخل حزب الجرار إلى نزاعات تضعفه، مالم تتحكم القيادة الوطنية في الوضع وتحسم الأمر لصالح طرف ما. إن عمودية مراكش ليست منصبا سهل المنال، إذ ستشحذ فيه الأسلحة السياسية، وستوضع فيه الخطط والتكتيكات، وتفتح الخرائط، ويسعى كل واحد إلى رص الصفوف في موقعة تاريخية ستشهدها المدينة، ويبقى اثنان فقط هم الأكثر ارتياحا، وأقصد السيدان عمر الجزولي ويونس بنسليمان، إذ لا يحتاجان إلى كسب الرهان داخليا، فهما المقدمان في حزبيهما دون منازع، بينما يحتاج مجالدو الجرار إلى حسم التنافس داخل الحزب أولا، إما بالتوافق أو بالمبارزة. وستبدي لنا الأيام ما نحن جاهلون، لأن الصناديق أصدق إنباء من الكتب، وفي أوراقها الحد بين الجد واللعب…