الرئيسية » الأرشيف » أمل مسعود تكتب: التقطني في الصورة …

أمل مسعود تكتب: التقطني في الصورة …

الكاتب: 
أمل مسعود مراكش 24

القرية كانت محافظة. أهلها بسطاء و طيبون. و كانت لدينا فرصتين علينا أن نختار يينهما: النوم في الخيام أو قضاء الليلة في ضيافة عائلة قروية. تركت لأصدقائي الاختيار. فضلوا قضاء الليلة في ضيافة الساكنة المحلية. في أعماقي كنت أفضل الخيار الأول. لأنني كنت أريد أن أخوض تجربة المبيت في العراء بين النجوم و الوديان و الجبال و النار الموقدة. و لكنني أذعنت لخيار الأصدقاء. لأنني أدرك بأن الرحلة لا تكون ممتعة و مسلية إلا برفقتهم.
تفاجئت بأحد المشاركين في الرحلة يأمر بحدة و توتر مشاركا آخر أن يغير سرواله القصير ليرتدي سروالا طويلا. فالأسرة القروية محافظة و ليس لائقا أن يرتدي الرجال سراويل قصيرة. رميت بنظرة جانبية إلى صديقي من الدار البيضاء و ابتسمت. فالمنظر كان كوميديا و التوتر بدا بدون معنى. خاصة أنه كانت توجد مشاركة بلباس قصير. فانفجرنا ضاحكين و نحن نعلق بمرح أنه في القرى المحافظة على الرجال الأجانب أن يلبسوا سراويل طويلة و لا بأس أن تلبس النساء الزائرات سراويل قصيرة.
انطلقنا نمشي نحو المنزل الذي سيستضيفنا لنضع أمتعتنا هناك. كنت قد بدأت ألهث عندما مرت أمامي سيدة تحمل حفنة كبيرة من التبن فوق ظهرها. لا أعتقد بأن مثل هذا المنظر الذي يوجد في بعض المناطق القروية، يمكن أن يتركك محايدا. فالرجال القاطنون في المدينة أيضا يتعاطفون معهن. و لكن بطريقتهم الخاصة. فما إن تمر سيدة مقوسة الظهر بكومة كبيرة من الأثقال حتى يبدأ الرجال في التعاليق التي تبجل المرأة القروية و تستهزئ من التدليل الزائد للمرأة القاطنة بالمدينة. فتارة يشتد النقاش بين رجال و نساء المدينة كل يدافع عن وجهة نظره و مكتسباته و مصالحه. و تارة أخرى تكون لقطة لعجوز مسنة بظهر مقوس تحمل من الألم و القسوة ما تجعلنا نساء و رجالا نشعر بوخز ضمير و وهن فنرتكن لصمت العاجز.
في منتصف الطريق، وجدنا سيدة بانتظارنا لتصحبنا إلى منزلها الذي سنقطن فيه الليلة. تبدو شابة في العشرينات أو الثلاثينات. وجهها يميل إلى الاسمرار بعض الشيء. ملامحها قاسية قليلا و لكنها مبتسمة. ترتدي منديلا جبليا مخططا بالأحمر و الأبيض و صندالة بلاستيك. شعرها مغطى بزيف وردي. رحبت بنا ببعض كلمات. شعرت بي و قد غلبني التعب، فأخذت بيدي. عندما تلتقي راحة يدك براحة يد إنسان أخر تشعر بأنه يريد فقط أن يساعدك ، يتحرك شيء ما في أعماقك. جزء منك يصبح ممتنا لذلك الشخص و تتحطم الحواجز. في تلك اللحظة. كانت هي سيدة الموقف و كنت أنا في لحظة ضعف. و لكنها كانت تتصرف بلطف غير مصطنع و لم تكن ترغب في التظاهر. نساء المدينة في هذه النقطة يختلفن كثيرا. فهن رءوفات و قد يساعدنك إذا شعرن بأنك تحتاجين إليهن، و لكن أولا عليهن أن يصبنك بأسهم حادة و أن يسجلن عليك هدفا و يظهرنك كفتاة عاجزة تماما ، و لهذا يحدثن كثيرا من الضوضاء قبل و أثناء مساعدتك . فأغلبهن متصنعات و للأسف يضيعن بسبب ذلك لحظات و أحاسيس رائعة من الصدق و التلاحم الإنساني الخالص.
أردت أن أؤرخ للحظة، فطلبت منها أن آخذ صورة معها. وافقت. تدخل أحد اصدقاء الرحلة يحذرها بأني صحفية و إن التقطت صورة معي سأضعها في الجرائد. شعرت بالانزعاج و الصدمة. فأنا لست صحفية كما أنني لم أفكر مطلقا في هذا الأمر. أردت فقط أن أحتفظ بذكرى إنسانة ساعدتني بود في لحظة كنت أفكر فيها بأنه أنا من كان علي أن أساعد ساكنة العالم القروي و أمد لهم يد العون. فهم يحتاجون إلينا و لكن مشاكل الحياة اليومية و هموم و إكراهات المدينة تأخذنا فننسى بدون سوء نية أنه يوجد إخوان لنا في مناطق نائية يكافحون في ظروف صعبة.
لهذا عندما سمعت السيدة القروية تجيب صديقي بأنه ليس لديها مانع من أن أنشر صورتها في الجرائد، أصابني الذهول و الحيرة. لم أفهم هل شعرت باضطرابي و إحراجي و قررت أن تدافع عني ببراءة أم هي فعلا سيدة شجاعة تريد أن تكون سفيرة لمنطقتها و توصل صوت و مشاكل قريتها للصحف و الجرائد.
ضغطت قليلا على راحة يدها بامتنان، و سألتها بجدية إن كانت فعلا لا تعارض من نشر صورتها في الجرائد. فأومأت برأسها بالإيجاب و بحماسة. نظرت إليها بتمعن و أدركت من خلالها أن ساكنة العالم القروي تريدنا أن نلتقطهم في الصورة و أن نتحدث عنهم و أن تمتلأ صفحات الجرائد بصورهم و مشاكلهم و حياتهم اليومية.

أمل مسعود