الرئيسية » 24 ساعة » أرقام محزنة لجرائم قتل النساء في تركيا ..474 ضحية في 2019

أرقام محزنة لجرائم قتل النساء في تركيا ..474 ضحية في 2019

تسجل تركيا أرقاما قياسية محزنة بالنسبة لجرائم قتل النساء، والتي وصل عددها سنة 2019 إلى 474 جريمة – ورغم كون حكومة أردوغان المحافظة أمضت على اتفاقية إسطنبول لمناهضة العنف ضد المرأة، فهي تقف جامدة أمام هذه الجائحة، ونادرا ما تلاحق العدالة المغتصبين والقاتلين. لكن تعبئة النساء تتفاقم منذ جريمة بشعة شهدتها البلاد خلال صيف 2020.

 

خلال الأشهر الأخيرة، وقعت معظم جرائم القتل وانتحارات النساء في جنوب شرق تركيا. أواخر شهرغشت  2020، صُدم الرأي العام بما حل بإيبك إر، وهي فتاة تبلغ من العمر 18 سنة، تعرضت للاغتصاب عدة مرات من قبل الرقيب موسى أورهان ما دفعها إلى الانتحار. ورغم كون عائلتها تقدمت بشكوى ورغم وجود أدلة، تم سجن المسؤول مرتين لفترة قصيرة للتحقيق معه قبل إطلاق سراحه. حادثة انتحار إيبك إر تجسّد جميع إخلالات الحكومة، فهي بالكاد بلغت سن الرشد وابنة قرية من منطقة باتمان الريفية في إقليم كردستان التركي، لذا لم تسفر دعوتها بالقرب من العدالة على أي شيء. فهل أن مصير هؤلاء النساء يحظى بتغطية إعلامية أهم بسبب الطبيعة البشعة للجريمة المرتكبة؟ أم من أجل رفاهية النساء؟

مساءلة اتفاقية إسطنبول

سعيا منها لتظهر التزامها وطموحها في التقدم في مجال المساواة بين الرجل والمرأة، أمضت تركيا سنة 2012 “اتفاقية إسطنبول” التي وضعها المجلس الأوروبي والتي تسعى أساسا لمناهضة أشكال العنف ضد المرأة والعنف المنزلي. لكن الحكومة اليوم تضع هذه الاتفاقية محل مساءلة، إذ ترى أن هذا النص “يؤسس لجرائم جنائية مثل تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، والزواج القسري، والتحرش، والإجهاض أو التعقيم القسريين”، ما يدفع بالدول إلى “إدخال جرائم لم تكن موجودة حتى ذلك الوقت في جهازها القضائي”. وهكذا تبدو الاتفاقية وكأنها “الضمان” الوحيد لكي تتحمل الدول مسؤوليتها وتضع نصوصا قانونية تحمي النساء من خلال تتبعات جزائية.

برغم أن تركيا كانت من أولى البلدان التي أمضت على هذه الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من أغسطس/آب 2014، إلا أن تقريرا تقييميا نشره المجلس الأوروبي في 2017 يكشف فجوات الدولة وجمودها وغياب الشفافية في تعاملها مع هذه القضية. وتذكر بدورها مجموعة من الخبراء حول محاربة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي في تقريرها لسنة 2018 ألا وجود لمعلومات حول ميزانية المؤسسات العمومية المعنية بالأمر (أي وزارة العدل، المحاكم الأسرية، مؤسسة الطب الشرعي، الأجهزة المتعددة التابعة لوزارة الصحة، مراكز نصح النساء في البلديات، وزارة التنمية)، وأن المنظمات غير الحكومية التي تقدم خدمات مختصة للنساء وتقوم بعمليات توعوية وغيرها، تتحصل على تمويل عمومي ضعيف جدا، وهي تعتمد على إعانات لتمويل مشاريع ذات نطاق ومدة محدودتين. فميزانية المديرية العامة لشؤون المرأة1 التابعة لوزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية لا تمثل سوى 0,0038% من الميزانية العامة، ولم يتغير حجمها بين 2014 و2016، في حين ارتفعت ميزانية الوزارة بـ2,36 مليار دولار.

عمليا، لم تطبق الحكومة ما تعتبره الاتفاقية أضعف الإيمان، أي “الحرص عل أن يصبح العنف ضد المرأة جريمة جنائية وأن تُعاقب على هذا الأساس”. بالموازاة، يؤكد التقرير على ضرورة اتخاذ تدابير جديدة لضمان الاستجابة “للاحتياجات الخاصة لجميع المجموعات في صفوف الضحايا، خاصة […] النساء التي يعانين -أو قد يعانين- من تمييز على أكثر من صعيد، بسبب انتمائهن لمجموعات عرقية معينة -الكرديات على سبيل المثال-، أو نساء الأرياف، أو ذوات الاحتياجات الخاصة، أو المثليات والمهاجرات واللاجئات”.

سياسة ذكورية وعدالة متساهلة

محاربة الجرائم ضد النساء لا يزال حديث العهد في تركيا. ومنذ وصوله إلى السلطة، عمل حزب العدالة والتنمية المحافظ والقومي -وبطريقة ماكرة- على جعل النساء أكثر تبعية من خلال طرق متعددة، لا سيما قانونية واجتماعية.

اختار الرئيس التركي أردوغان أن يضع نموذجا عائليا مستوحى من أسرته. فزوجته آمنة تمثل المرأة التركية “الحديثة”، كونها في نفس الوقت الأم التي تقود العائلة والمرأة التقية (والمطيعة). وقد انضاف إلى جميع الضغوطات التي تمارس على النساء مثل قضية الشرف والمثالية والضغوطات الاجتماعية والعائلية، خطاب حول انعدام الأمن يساهم في “الإفراط في حماية النساء” والتعامل معهن كأنهن أطفال أو جعلهن يشعرن بالذنب. وتؤكد تصريحات الرئيس وأعضاء حزبه حول لباس النساء وسلوكهن وقدرتهن على العمل على عدم قدرتهن على الأخذ بزمام حياتهن.

تتميز حكومة أردوغان بنظرة متساهلة جدا وذكورية للعدالة. ففي 2016، قدم أمام البرلمان مشروع قانون يسمح لمغتصبي القاصرات بالنجاة من العقاب في حال زواجهم من ضحيتهم. وقد سُحب هذا القانون بعد فورة الغضب التي تسبب فيها. أما أمام المحاكم، فالتخفيض من العقوبات شائع عندما يعرض الدفاع طريقة لباس الضحية أو “أخلاقها المنحلة”. وعلاوة على غياب الملاحقات القضائية أو العقوبات الأدنى بالنسبة للمتهمين، فإن إطلاق سراح 90 ألف سجين في ربيع سنة 2020 في ظل جائحة كورونا -ومن بينهم العديد من المغتصبين ومقترفو جرائم ضد النساء (مقابل عدم الإفراج على أي سجين سياسي) أحدثت ضجة كبيرة.

ليست هذه المرة الأولى. فخلال حالة الطوارئ الي أعلنت لمواجهة “خطر الإرهاب”، أراد حزب العدالة والتنمية أن يخفض من عدد السجناء (كي يفسح المجال للمعارضين الذين سيتم إيقافهم). وهذا الخطاب الأمني هو مجرد ورقة يلعبها الحزب وفق إرادته. وأخيرا، فإن غياب مصطلح دقيق لوصف الجرائم ضد النساء في تركيا يجعل من الصعب الحصول على بيانات دقيقة ويجعل البعد القانوني أكثر تعقيدا.

وكأنه يريد التأكيد على هذا الجمود، صرح نعمان كورتولموش -نائب رئيس حزب العدالة والتنمية في 2 يوليو/تموز 2020: “مثلما قمنا بإمضاء هذه الاتفاقية، يمكننا أخذ تدابير لوضع حد لها”. وهكذا تبدو أنقرة مصممة على الانسحاب من الاتفاقية، رغم ما يسببه هذا القرار من امتعاض حتى في صفوف الحزب. إذ يبدو أن الزمن الذي كانت تتميز فيه تركيا بـ“حداثيتها” تجاه النساء ولّى ولم يعد.

باسم الحرب على الإرهاب

في إقليم كردستان التركي، تبلغ عدم المساواة في العلاقات بين الرجال والنساء وطريقة تعامل العدالة إلى هذه القضايا مستوى آخر، بسبب تأثير القبلية، رغم الأهمية التي اكتسبتها الحركات النسوية الكردية بين 2014 و2016، سواء في تركيا في كنف حزب الشعوب الديمقراطي، أو في سوريا، وسط المعارك الميدانية. وقد حملت المقاتلات الكرديات صوتهن السياسي الملتزم على صعيد دولي.

معظم المنظمات المدنية والسياسية المؤيدة للأكراد تدافع على حقوق النساء، سواء في المحيط السياسي أو في الدوائر الخاصة. فحزب الشعوب الديمقراطي -الذي يقبع قائده صلاح الدين دميرتاس في السجن منذ سنة 2015- يعبر مثلا في برنامجه على التزامات صريحة بهذا الشأن: “معا لنقضي على جميع أنواع العنف ضد النساء اللواتي يكافحن من أجل الخروج من دائرة انعدام الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولنؤسس من أجل جميع النساء لمبادئ المساواة والحرية”. كما تبنى الحزب سياسة الحصص التي تجعل التكافؤ في التمثيل بين النساء والرجال ضروريا على جميع مستويات الحزب.

بيد أن حزب الشعوب الديمقراطي يبقى المستهدَف الأول من قبل السلطة. ويشير تقرير يعود إلى سنة 2017 إلى تعليق الأنشطة التي وضعها هذا الحزب بهدف المساواة بين الجنسين، وإنشاء مديرية سياسات المرأة، وهي إدارة جديدة في الإدارة البلدية تهدف إلى زيادة مشاركة المرأة ومكافحة العنف. لكن تم التخلي عن هاتين المبادرتين بعد تعيين مفوضي دولة في 45 بلدية في المنطقة (من مجموع 65 فاز بها الحزب)، وذلك لتعويض المنتخبين الذين اتهموا بـ “الدعاية و/أو الانتماء إلى تنظيم إرهابي” والذين يقبع 21 منهم اليوم في السجن.

استعمال خطاب مكافحة الإرهاب في إشارة واضحة لحزب العمال الكردستاني هو وسيلة أخرى لضرب شرعية كفاح منافسي حزب العدالة والتنمية على الساحة العمومية. وردا على التأثر العميق الذي لحق انتحار إيبك إر، صرح وزير الداخلية سليمان صويلو: “إن السبب الرئيسي الذي يدفع ببعض الدوائر إلى الحديث الدائم على هذه القضية هو إخفاء أعمال حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني”.

يتواصل هذا القمع بلا هوادة، كما يظهر من خلال الحكم على النائبة الكردية رمزية توسون بالسجن لعشر سنوات. بل ويتفاقم ضد النساء من خلال سجن الناشطات.

أدى ارتفاع عدد الجرائم ضد النساء والتهديدات والمخاطر اليومية التي تحدق بالنساء وخاصة غياب تطبيق دعاوى جنائية وقانونية ضد مرتكبي هذا العنف، إلى انتشار حركة تمرد في تركيا في صفوف التركيات. ويتميز هذا الرد المدني بقدرته على تجميع نساء من مختلف الأطياف السياسية. بعد اكتشاف جثة بينار غولتكين في يوليو/تموز 2020 التي قام زوجها السابق بضربها وخنقها قبل أن يحرق جثتها في قمامة ويصبها في خرسانة، شهدت جميع المدن الكبرى في تركيا مظاهرات لا تزال متواصلة. في هذه الحركات النسوية الحديثة الولادة، تلعب الشبكات الاجتماعية دورا مهما إذ تسمح بتقاسم المعلومات والتعبير بحرية، كما يترجم عن ذلك رمز #WomenSupportingWomen (نساء يساندن نساء) مرفوقا بصورة “سيلفي” بالأسود والأبيض، إحياء لذكرى بينار. كما ظهرت مبادرات مواطنية وملتزمة، لا سيما الموقع الذي يحمل عنوان “سنقضي على الجرائم ضد النساء” (Kadın Cinayetlerini Durduracağız Platformu) والذي يصمم مديروه على محاربة العنف ضد النساء، حتى لو كلفهم ذلك معارضة الدولة واتهامها مباشرة.