الرئيسية » الأرشيف » رجال مراكش :لماذا تم حصر العدد في سبعة ..الأسباب الحقيقية والبواعث الظاهرة والخفية لهذا الحصر

رجال مراكش :لماذا تم حصر العدد في سبعة ..الأسباب الحقيقية والبواعث الظاهرة والخفية لهذا الحصر

الكاتب: 
محمد مصظفى متكل –مراكش 24

رجال مراكش :لماذا تم حصر العدد في سبعة

الأسباب الحقيقية والبواعث الظاهرة والخفية لهذا الحصر

 

إعداد :محمد مصطفى متكل

 

 

 

 

 

 

 

  ( لا يعني الباحث في تاريخ الأفكار الصوفية، أو ما يسمى بتاريخ الذهنيات بالمغرب، التدقيق كثيرا في معرفة أعيان “الرجال السبعة” بالمدينة الحمراء، هل هم كما يقول أغلب الناس: يوسف بن علي الصنهاجي (593هـ)، وعياض بن موسى اليحصبي هـ)، وأبو العباس السبتي (601هـ)، ومحمد بن سليمان الجزولي (870هـ)، وعبد العزيز التباع (914هـ)، وعبد الله الغزواني ( 544935هـ)، وعبد الرحمن السهيلي (581هـ)، (انظر الصورة: أ) أم هم السبعة المدفونون بجوار ضريح أبي العباس السبتي، والذي يُعتقد أنهم سبعة إخوة صغار قضوا في يوم واحد (انظر الصورة: ب) ، أم هم آخرون ذكر التادلي في التشوف أن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ على أسمائهم واحدا واحدا!!! وهو واقف على باب من أبواب مراكش!!! لكن لم يحفظ لنا الراوي من أسمائهم إلا أحمد بن محمد الغسّاني المعلّم!!!.

  لا يعني الفحص في مثل هذه الروايات والآثار، لأنها من شأن الإخباريين ومؤرخي الأحداث والوقائع، لكن مايهمّ بالدرجة الأولى هو البحث عن علل الظاهرة “السبّعية” وأسبابها ومقاصدها، ورمزياتها في أدق تفاصيلها، وأبعد دلالاتها، سواء ما يتعلق منها بنفس الطقوس، والزيارات، والأوراد، والشيوخ، أو ما له صلة بأصولها الفكرية، وامتداداتها الفلسفية.

 ويعدّ حصر “الرجال المَزُورين” بالعدد سبعة دون غيره من الأعداد الفردية والزوجية، من القضايا التي استجلبت نظر وعناية الباحثين في الفكر الصوفي، فكتبوا عنها مُؤولِين ومدلِّلين، شارحين وكاشفين، مدافعين ومناصرين، وبعضهم أعاد القضية إلى أصلها المرجعي، وأناطها إلى أمرها الأول، فتوقف بالسؤال والاستفسار عن الأسباب الحقيقية والبواعث الظاهرة والخفية لهذا الحصر، هل هي مفسّرة ومسنودة إلى فلسفة أو عقيدة، أو مرجعية معينة؟ أم هي قرار سياسي أفرزه سياق مرحلي معين؟ أم هي مجرد اعتباط واتفاق؟

 

،قبل إعطاء أي جواب على هذا السؤال، لابد من التأكيد على قضية مهمة، وهي أن “سبعة رجال” ليست ظاهرة مراكشية صرفة كما قد يفهمه الكثير من الناس، أو كما قرره فعلا بعضُ قاصري النظر من الباحثين المعاصرين، وقلّده جهلا ثلة من الإعلاميين وسارقي الأخبار، بل هي ظاهرة معروفة في كثير من المناطق المغربية، وأخرى خارج المغرب، لكن أغلبها مطموس المعالم، خامل الذكر، لم ينلها ما نال الظاهرة في مراكش من الشهرة والذيوع، لأسباب معروفة، وعلل شهيرة، تعود في مجملها إلى الاحتفاء والدعم غير المتناهي “للسّبعية” منذ أبو علي الحسن اليوسيإلى يوم الناس هذا.

وهذه بعض الأماكن التي توجد فيها الظاهرة: 

1- “سبعة رجال رجراجة”، بـ “الشياظمة” بإقليم الصويرة، ويعتقد الناس استنادا إلى مرويات مكذوبة، أن هؤلاء السبعة من الصحابة الأمازيغ، وهم الذين ذهبوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وبايعوه على السمع والطاعة في الحرب والسلم، والمنشط والمكره، وزعموا كذبا أن النبي عليه الصلاة والسلام تحدث إليهم بلسان البربر، وفهم عنهم رطانتهم، وأوصى بهم وبأهليهم خيرا، وهؤلاء السبعة هم: وسمين إلياس، وعبد الله وادناس، وعيسى بوخابية، ويعلى بن واطيل، وسعيد بن يبقى، وأبو بكر الشماس، وصالح بن أبي بكر.

2- “سبعة رجال بني عروس” بشمال المغرب، وهم: عبد السلام بن مشيش، ووالده، ووالدته، و أربعة إخوته لا تُعرف لهم أسماء .

3- “سبعة رجال فاس” بحي المصلّى، لا تعرف أسماؤهم.

4- “سبعة رجال لَلَّا تَكركُوست” بنواحي مراكش، لا تعرف أسماؤهم أيضا.

5-  “سبعة رجال الفنيدق” بشمال المغرب، لا تعرف أسماؤهم أيضا.

6- “سبعة رجال كلميم” بالجنوب المغربي، المسمى بـ”سْبْع مَّواسْمْ”.

وفي خارج المغرب:

7- “سبعة رجال الجزائر العاصمة”، وهم سبعة إخوة قُتلوا على يد النصارى في نفس اليوم.

8- “سبعة رجال تلمسان”.

9- ” الرقود السبعة” في الأرياف التونسية

10- “سبعة رجال مصر”

11- وقد يلحق بهم على سبيل التبع، بعض المشاهد والمراقد التي لها صلة بأصل العدد سبعة، كمشهد “السبعة وسبعين وليا بأسوان” بمصر.

والحقيقة أن كل تفسير لهذا الحصر العددي في “سبعة رجال مراكش” ينسحب بالضرورة على نظائرها المذكورة.

ولنذكر الآن الأسباب المحتملة  لهذا الحصر، وهي: 

السبب الأول: تنصيص النبي صلى الله عليه وسلم على أعيانهم وعددهم في مراكش!!!

ذكر التادلي بسنده قال: حدثني محمد بن محمد بن أبي القاسم، قال سمعت أبا زيد الدقاق وكان رجلا خيِّرا يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم عند أحد أبواب مراكش، فقلت له يا رسول الله، أ في هذه البلدة أحد من الأولياء؟ فقال فيها سبعة، فقلت يا رسول الله من هم؟ فقال: هؤلاء، فإذا سبعة رجال خروج من الباب، ما عرفت منهم إلا أحمد بن محمد الغسّاني المعلم”

وهذا من حديث المنامات المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم.

السبب الثاني: ورود أحاديث عامة تنص على سبعة رجال دون تحديد أعيانهم.

الحديث الأول:

ذكره ابن الزيات في التشوف، وعزاه إلى مصنف عبد الرزاق، وفيه عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال في أمتي سبعة لا يدعون الله بشيء إلا استجاب لهم، بهم تنصرون وبهم تمطرون، وقال: حسبت أنه قال: وبهم يدفع الله عنكم”.

الحديث الثاني:

ذكره في درر الحجال في مناقب سبعة رجال، عن كتاب كرامات الأولياء لأبي محمد الخلال عن ابن عباس قال: “ما خلت الأرض بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض”.

الحديث الثالث:

 ذكره أيضا في درر الحجال، على أنه رواية ثانية للحديث الثاني، ونصّه: “إن الله ليدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيها”

وحَمْلُ هذه الأحاديث – وإن لم نطمئن إلى صحتها  – على الظاهرة “السّبعية” جناية كبيرة على شرع الله، وتقوّل فاضح عليه، وجرأة عظيمة على نصوصه، وعبثٌ كيدي بالأعداد الواردة في المتون، وقبل ذلك هو عبث بالفهوم والعقول، والأحكام والأدلة،.

السبب الثالث: الخصوصية الشرعية للعدد سبعة 

فُسّر الحصر بالعدد سبعة في الظاهرة الصوفية، بخصوصية هذا العدد في كثير من النصوص الشرعية، ففي التنزيل نقرأ مثلا: ” سبع سماوات – أنبتت سبع سنابل – سبع سنبلات – سبع بقرات –  سبع سنين – سبع شداد – سبع طرائق – سبع ليال – سبعا من المثاني – لها سبعة أبواب – ويقولون سبعة – وسبعة إذا رجعتم …”

 وفي الحديث النبوي نقرأ أيضا: ” أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم – إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف – من تصبح بسبع عجوات – فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك – اجتنبوا السبع الموبقات – سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله – من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أراض – اغسله سبعا… هذا بالإضافة إلى بعض الأحكام العملية في السنة النبوية المرتبطة بهذا العدد، كالطواف، والسعي، ورمي الجمرات، والرقية الشرعية، وبعض الأذكار اليومية…

السبب الرابع: تميز العدد سبعة عن باقي الأرقام في الموروث الشعبي

 

يسود في الأوساط الشعبية خاصة بين النساء، اعتقاد كبير في أن العدد سبعة مليء بالأسرار والألغاز، منطوٍ على كثير من المكنونات الغيبية، ولذلك يفسرون به بعض الظواهر المرتبطة بالسحر والشعوذة، كالحظ السّبعي المقروء في الكف، والخلطة العُشبية لأجل الزواج وغيره، التي تُجمع من العطارين السبعة، ستة منهم مسلمون، والعطار السابع يشترط أن يكون يهوديا!!! والأرواح السبعة لبعض الحيوانات التي يعتقد تلبس الجن بها كالقطط، والأضلع السبعة لبعض الناس الذي يُظن فيهم إتيان أعمال خارقة، والعيون السبعة التي يعتقد فيها الفضل والبركة، وكثير من هذه الأسرار تُدرس في أدبيات التصوف الطرقي، وعِلمَي الفلك والتنجيم، يقول الدكتور حسن جلاب: “قد أوجد الصوفية المسلمون توازيا:

– بين الحروف والطبائع الأربعة: حرارة، برودة، يبوسة، رطوبة، لكل طبيعة سبعة حروف.

– وبينها وبين الأفلاك، مع إعطاء دلالات لكل مرتبة مراتب هذه الافلاك.

وقد تصوروا نتيجة ذلك على نحو ما تصوروا ما يسمى بمملكة الباطن، فعند ابن عربي أن في عالم الحروف قطبا وإمامين وأوتادا وأبدالا.

وصار الصوفية على هذا المنوال في محاولة تفسير رموز حروف وكلمات لها أهميتها الدينية…

 

والرقم سبعة لا يقبل القسمة، وليس له جدر تربيعي، سماه القدماء رقم النشأة والتكوين…ونقل عن الافراني عن أبي نصر الهمذاني في كتابه السبعينات قوله: “إن الأعداد السبعة لها عند الله خطر عظيم، ومحل جسيم، ولذلك زيّن السماء بسبع سماوات، وزينها بسبعة نجوم…وزين الفضاء بسبع أرضين، وسبعة أبحر….وزين القرآن بسبعة أسباع،  ثم زينها بالسبع المثاني، وزين الكون بسبع كلمات هي: لا/إله/إلا/الله/ محمد/رسول/ الله/ والدنيا بالأقاليم السبعة، والأقاليم بالأيام السبعة”

كما يُدرس بعض هذه الأسرار أيضا في ما يُسمى بالإعجاز العددي في القرآن الكريم، وأغلب المهتمين به من الشيعة

السبب الخامس: دلالة العدد سبعة قديم في كل الديانات

وُجد للعدد سبعة، دلالات دينية عند العبرانيين والكلدانيين والبابليين، وكثيرٍ من الثقافات المتوسطية، والديانات الوثنية القديمة، يقول المؤرخ إبراهيم حركات: ” إن رقم سبعة الذي يعزوه دوفردان إلى أقدمية عريقة في تاريخ الشعوب، ويعزوه عدد من علماء الاجتماع الديني إلى أساطير هذه الشعوب وخرافاتها، له في الأصل جذور فلكية ولاهوتية

يعني أن العناية الصوفية بالعدد سبعة، كما له تفسير ديني، له أيضا تفسير أسطوري متأصل في بقايا ورواسب الديانات والثقافات القديمة.

السبب السادس: العدد سبعة غير مقصود لذاته

وإن نُصّ على سبعة رجال، فإنما أريد مجموع أولياء المدينة على وجه التفصيل، لا سبعة على جهة التحديد، كقولنا إن القرآن منزل على سبعة أحرف، والمراد أكثر من سبعة، وإنما اقتصروا على هذا العدد “للتيسير والتسهيل والسعة، ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الأصل كما يطلق السبعون في العشرات، والسبعمائة في المئين….

السبب السابع: مراعاة أيام الأسبوع

يقال إنه روعي عند وضع العدد، أيام الأسبوع السبعة، كي يتمكن الزائر من تخصيص كل ضريح بزيارة في يوم!!!

السبب الثامن: محاكاة سبعة رجال شياظمة

وهذا سبب سياسي بامتياز، لا يرتبط بقناعات عقدية أو مذهبية ما، وإنما فرضته!! ظروف سياسية كانت الدولة المغربية فيها في حاجة ماسة إلى محرك روحي يستنفر الناس، ويستنهض الجيش لإخماد الثورات أو “الحْرْكات” التي تخرج بين الفينة والأخرى في مناطق الجنوب، خاصة في الحوز وسوس والشياظمة.

 يحكي محمد الصغير الافراني هذا السبب في رواية غريبة فيقول: “حدثني غير واحد ممن يعتمد على حديثه، أن السبب في شهرة سبعة رجال وتخصيصهم بالزيارة من بين أولياء مراكش، مع كثرتهم، أن السلطان محمد الشيخ، الأخير من الملوك السعديين، كان قد جمع جموعا عديدة، وتوجه لقتال الشياظمة، لاستنكافهم عن الدخول في طاعته، وامتناعهم من الانخراط في سلكه، فخرج إليهم في أهبة تامة، وجيوش حافلة، فكان اللقاء بينه وبينهم عند جبل الحديد من بلاد رجراجة، والشياظمة في شرذمة قليلة، فوقعت الهزيمة على السلطان المذكور، وفلّت جموعه، ونهبت ذخائره، وتفرقت شذر مذر عساكره، وكرّ بعد التقدم للاحجام، ولم ينج إلا برأس طمرة ولجام…..وكان الشياظمة يقولون إنما نَصَرنا عليه سبعة رجال!! يعنون الرجال السبعة الذين في بلادهم، ويزعمون أنهم وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم، ورأوه وتكلموا معه، وكانوا من أصحابه رضوان الله عليهم، وشاع ذلك في الناس أن الرجال السبعة بهم نُصرت الشياظمة.

ولما بلغ ذلك السلطان المذكور، قال له بعض علماء مراكش، إنْ عندنا قاطنا بمراكش سبعة رجال كما لهم سبعة رجال!!! فلو قصدهم السلطان وتملق ببابهم عسى ـ أن  يرزقه الله الكرّة على الشياظمة، فقال السلطان أفعل ذلك إن شاء الله، فمن السبعة نظم له ذلك العالم فيهم قصيدة يقول:

بـمراكش لاحت نجـوم طوالـع *** جبال رواس بل سيوف قواطع

      فمنهم أبو يعقوب ذو الغار يوسف *** إليـه تشير بالأكف الأصـابع

    ونجل أبي عمـران عيـاض الذي *** إلى علمه تصغى لعمري المسامع

 

فالخبر واضح في سبب نشوء ظاهرة سبعة رجال مراكش، وهي محاولة من السلطان السعدي لتنميط النموذج الشياظمي، واستنساخ تجربتهم، لأجل رفع معنويات الناس، وزيادة الشحنات النفسية للعساكر المنهزمة في جبل الحديد، ولا علاقة لها البتة بفقه حديث خاص أو عام، ولا بأسرار العدد سبعة، ولا بطقوس الشعوذة والسحر.

ولا تخطئ عين القارئ الذكي مسألتين هامتين في الخبر وهما:

– إشارة علماء السوء للسلاطين بتشجيع مظاهر الشرك والبدعة، لأجل إرضائهم والتزلف إليهم، أو لتحصيل مكاسب سياسية مزعومة أو عسكرية مظنونة.مثلما قال اليهود بالأمس لنبي الله موسى عليه السلام: “اجعل لنا إلها كما لهم آلهة”، كذلك قال عالم السوء للسلطان: “اجعل للمراكشيين سبعة رجال، كما للشياظمة سبعة رجال”.

هذه بعض الأسباب التي يمكن أن نفسر بها الاقتصار على العدد سبعة، وقد تكون هناك أسباب أخرى غابت عني أثناء البحث والتنقيب، كما غابت قبلي عن باحثين متخصصين في هذا الشأن، عارفين بشعوبه وضروبه، كمحمد الغالي بن المكي، صاحب كتاب: بادرة الاستعجال في مناقب السبعة رجال، الذي  اعترف بعدم هدايته إلى سبب الاقتصار على العدد “سبعة” دون غيره من الأعداد، قال: “فإن قلتَ أول من اخترع هذا الترتيب في الزيارة، وأقر بالاقتصار على السبعة، قلنا الله أعلم بذلك، ما وقفنا على شيء”

 

 

 

.