الرئيسية » الأرشيف » اختتام أشغال المؤتمر الرابع للعلوم الاجتماعية والإنسانية بمراكش

اختتام أشغال المؤتمر الرابع للعلوم الاجتماعية والإنسانية بمراكش

الكاتب: 
وكالات

ركزت الجلسات العلمية لليوم الثالث والأخير من المؤتمر الرابع للعلوم الاجتماعية والإنسانية والذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في مراكش (19-21 آذار / مارس)، على الأدوار المنتظرة من المثقفين العرب في السياق الراهن، وذلك إزاء قضايا التجديد الديني، وتحديات الاستعمار الجديد، وأسئلة الهوية العربية، في الوقت الذي اهتمت الجلسات المخصصة للجامعات والبحث العلمي على الأدوار المجتمعية لهذه الأخيرة، في استنبات الحداثة والديمقراطية

ميلاد جديد للمثقف

شمل برنامج اليوم الثالث والأخير من المؤتمر السنوي الرابع للعلوم الاجتماعية والإنسانية جلسة عامة قدمت فيها محاضرتان تأسيسيتان في موضوعي المؤتمر: “أدوار المثقفين في التحوّلات التاريخية”، و”الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي”.

في موضوع المثقفثن والتحوّلات التاريخية، وانطلاقا من مفهوم “الهيجيمونية”، نبّه المفكر المغربي، بنسالم حمّيش، إلى خطورة الإرث الاستعماري، الذي وإن انتهى في شكله المباشر والعملي، فقد استمر بشكل غير مباشر، في تفكيك البنى الثقافية للأمة العربية. ورأى أن مهمة المثقف الملتزم بقضايا أمته هي التصدي “للمثقفين المزيفين”، والتوعية بخطورتهم.

يرى حمّيش أن من وظائف المثقف الاضطلاع بمهمة الفكر والنقد في الوقت نفسه، فالمثقف لا يكون إلا “مفكرا ناقدا”، على اعتبار أن من وظائف الثقافة كذلك “الإسهام في مجتمع المعرفة، وتقوية دعائمه”، لكن من موقع المجتمع المدني وليس من موقع السلطة. وقال إن المثقف “يحسن به أن يكون ذلك الصوت الآخر”، مشيرا إلى أن المفكر “إدوارد سعيد” مثّل “ذلك أحسن تمثيل”. لأن رفض عمليا وبصوت عال “المواقف الملتبسة، والتعابير السهلة، وجهر بكل ذلك في وجه السلطة المهيمنة”.

وبعد أن عقّب على الإنتاج الفكري والرمزي ذي الروح والغايات الاستعمارية، مثل أطروحة صدام الحضارات لصاحبها “صامويل هينتغتون”، وزمرة من المثقفين في الغرب، الذين اتخذوا مواقف معادية لقضايا المسلمين، كما هو الشأن بالنسبة إلى الأمريكي “برنارد لويس”، حدّد حمّيش مهمة النخب العربية الملتزمة بقضايا أمتها في إعادة الاعتبار لهويتها، ولغتها العربية، والتصدي للتهجمات التي يضطلع بها المثقف “الحرْكي”، بوصفه أداة في خدمة غايات الاستعمار الجديد.

وشكلت الأفكار التي عبّر عنها حمّيش تتويجا لجدالات ونقاشات عديدة خلال جلسات المؤتمر، تساءلت بعمق عن مكانة المثقف ودوره في الوطن العربي، وفي خضم التحولات الكبرى التي يشهدها العالم العربي عامة، وإثر ثورات الربيع العربي خاصة.

وكان لافتا التأكيد على أن دور المثقف العربي منوط بمدى تموقعه في قلب المعاناة العربية، والتزامه بقضايا أمته المجتمعية، أدبيا ومعنويا. بعيدا عن الانتماءات الضيقة للعصبيات، سواء كانت انتماءات عشرية أو حزبية أيديولوجية أو طائفية، والتي قد تصبح حاجزا له عن الفهم الموضوعي للقضايا الحقيقية.

وأكدت بعض الآراء على انتقاد انعزالية بعض المثقفين، فمع انتشار التعليم وتعقده، وما أوجبه من تخصصية برز مثقفون تقنيون عازفون عن الفعل الاجتماعي، أو منغمسون في وسائل التفاعل الاجتماعي. في المقابل برز رأي ثان خلال المؤتمر، دعا إلى تجاوز الأحكام التبسيطية حول المثقف، ومنها تلك التي تقول بموته، واعتبر أن التكنولوجيا الحديثة وفرت مبشرات بميلاد جديد لمثقف عمومي منحاز لقضايا الثورة وناقد أو موجه لها، منطلقا في ذلك من اتساق أخلاقي ومهني.

 

تنمية الابتكار يتطلب التربية عليه

في موضوع الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي، قدّم الدكتور وائل بنجلون، رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط، تصورا متكاملا من أجل نهضة الجامعات العربية والبحث العلمي فيها، انطلاقا من ثلاث وظائف رئيسية للتعليم الجامعي، حددها في المعرفة والمعلومة والابتكار.

ودعا بنجلون، من أجل ذلك، إلى العمل عبر ثلاثة مسارات متكاملة، الأول يتعلق بترسيخ مبادئ الحكامة، التي تتمثل، حسب بنجلون، في تكريس الاستقلالية الذاتية للجامعات، ومنحها الحق في التصرف في ممتلكاتها، وفي تدبير التعليم الجامعي برامجا وتدريسا وتوظيفا، وبناء علاقات بحثية وعلمية مع محيطها القريب والبعيد، وذلك ضمن إستراتيجية البحث العلمي الوطنية.

المسار الثاني الذي ركز عليه بن جلون متعلق بالتمويل الكافي، ودعا إلى المزاوجة بين التمويل العمومي والخاص، وخاصة النهوض بالتمويل الوقفي، مشيرا إلى نظام الوقف موجود لكن لا يوجه بعد إلى التعليم والبحث العلمي.

المسار الثالث للنهوض بالتعليم الجامعي والبحث العلمي، يتطلب الاهتمام بالتعليم ما قبل الجامعي، وقال بنجلون إن تنمية القدرة على الابتكار، الذي هو من شروط العصر، أن يتم التربية على الابتكار واستخدام التكنولوجيات الحديثة منذ الصغر، وبالضبط في سنوات التعليم الأولى (الحضانة)، في حين أن هذا التعليم لا زال لحد الآن خارج اهتمام الدولة الذي فوتته إلى القطاع الخاص.

وانضافت اجتهادات وائل بنجلون إلى خلاصات الجلسات العلمية للمؤتمر، التي أجمعت على أن تحقيق نهضة جامعية وبحثية علمية في الوطن العربي تتطلب تضافر ثلاث عوامل متكاملة: الأول يتعلق بالإرادة السياسية التي تقتضي وجود مشروع مجتمعي متكامل، للجامعة دور محدد في تنمية البحث والابتكار، بما يجعلها قاطرة للتنمية الاقتصادية والمجتمعية. الثاني يتمثل في توفير التمويل الذاتي للجامعات، الأمر الذي يقتضي منح هذه الجامعات الاستقلالية الذاتية عن السلطة، وفسح المجال للقطاع الخاص، ونظام الوقف في تمويل الجامعات ودعم أدوارها المعرفية والبحثية وتشجيع الابتكار. الثالث تشجيع الجامعات للتحول نحو أقطاب كبرى جامعية متخصصة، على غرار ما هو معمول به في جامعات دولية كبرى، وذلك لمسايرة التطور الذي ينتظر من الجامعات كفاءات قادرة على تنمية الابتكار وإذكاء روح التنافسية.

وقد تواصلت الجلسات العلمية خلال اليوم الثالث من أشغال المؤتمر الرابع للعلوم الاجتماعية والإنسانية، من خلال أربع جلسات علمية: اثنتين في محور أدوار المثقفين حول “المثقف في السياق العربي الإسلامي”، و”المثقف والثورات العربية”، فيما تركز الجلستين الخاصتين بموضوع الجامعات على “الأدوار المجتمعية للجامعات في الوطن العربي”، وجلسة خاصة بالجامعات في تونس.

واختتمت أعمال المؤتمر بجلسة عامة نقاشية أشرف عليها الدكتور نديم روحانا، المدير العام للمركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية “مدى الكرمل”، وفتح فيها المجال للمشاركين في المؤتمر لتلخيص نقاشات جلساته والتركيز على أبرز الأفكار التي أثيرت خلالها.

يذكر أن الجلسات العلمية للمؤتمر الرابع للعلوم الاجتماعية والإنسانية تواصلت طوال ثلاثة أيام من 19 إلى 21 آذار / مارس 2015، وذلك في موضوعي المؤتمر بشكل متوازي وفي الوقت نفسه، وتحدث فيه مفكرون وباحثون عرب، وقد تلى اختتام المؤتمر حفل توزيع الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية.

وتعدّ هذه المرة الأولى التي ينظم فيها المؤتمر في المغرب، وسبق أن عقدت دورته الثالثة في تونس العام الماضي، في حين نظمت دورتيه الأولى والثانية في الدوحة بقطر حيث المقر الرئيس للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. ويعتزم القائمون على المؤتمر في المركز العربي تنظيم المؤتمر نفسه في دول أخرى.