الرئيسية » الأرشيف » مراكش، الصويرة و نواحيهما سنة 1912

مراكش، الصويرة و نواحيهما سنة 1912

 

الكاتب:
ذ سمير أيت أومغار

” لو لم يكن بالمغرب إلا الخدمات التي يقدمها الأطباء الفرنسيون، لكان ذلك مبررا كافيا لوجود الحماية الفرنسية “، بهذه القولة يمنح أوغست تيريي Auguste Terrier في كتابه “المغرب” مبررا لإقامة نظام الحماية بالمغرب، الذي يستمد مشروعيته حسب قوله من المنجزات الطبية الإنسانية المُحققة من طرف الأطباء الفرنسيين المُقيمين بالمغرب

الطب بين العمل الإنساني و الاستخباراتي

تزايدت منذ القرن التاسع عشر، الطلبات المغربية على الخدمات الطبية الأوربية، بسبب غياب بديل محلي، لان الطب لم يعد يلقى الاهتمام تدريسا و تكوينا و ممارسة بالمؤسسات العلمية المغربية، كما أن المغرب لم يعرف خلال القرن 19 أسرا مشهورة بممارسة الطب مثل أسرة الغساني أو أسرة أدراق التي لمع اسمها في مجال الطب طيلة قرون.
و لم يقتصر الأطباء الأوربيون في المغرب خلال هذه الفترة على تقديم الخدمات الصحية، و محاربة الأمراض و الأوبئة…بل ساهموا في اختراق المغرب عبر ممارسة التجسُس و التبشير.
إلا انه وبعد فرض الحماية على المغرب سنة 1912، رسم رجال السياسة الاستعماريون أهدافا جديدة و محددة للطب الاستعماري في المغرب تتجسد فيما يلي:
– اتخاذ الخدمات الطبية، وسيلة للتوغل السلمي و تحقيق التهدئة و ذلك بتوظيف التأثير النفسي للطبيب و الخدمات الطبية في التغلغل.
– المحافظة على الطاقات البشرية المغربية كقوة إنتاج في نظام الاستغلال الاستعماري، و ككُتلة ضريبية مهمة.
– تأمين الحماية الصحية للأوربيين، وخلق فضاء سليم لإقامتهم بمحاربة الأوبئة و الأمراض المنتشرة في المغرب.
لقد سبق و كشف إدموند دوتي في تقرير مفصل له وجهه إلى حاكم الجزائر عن الوسائل التي قد تُمكِن فرنسا من تقوية تأثيرها  في المغرب، وكان من بينها النهوض بالعمل الصحي، عبر تأسيس اللجان الصحية و المجلس الصحي..
و أدرك المقيم العام الفرنسي الأول بالمغرب، المارشال ليوطي أهمية الطب و دوره المركزي في التخفيف من المعاناة الاستعمارية و التلميع الجزئي لصورة المُستعمِِِِر و تعظيم التوسع الاستعماري و موازنة خشونته و عيوبه.
و رغبة في تحقيق هذه الأهداف تم إنشاء جهاز صحي مركزي و متراتب، ففي القمة إدارة تُسيّر كوزارة حقيقية للصحة و الوقاية العمومية، ويليها في الأسفل رئيس أطباء و مستشفى لكل جهة، أما في القاعدة فتوجد مصحات أهلية بمراكز الاستعمار الهامة، و مستوصفات حضرية في المدن الآهلة بالسكان.
إلا أن هذا لا يعني غياب الأطباء الفرنسيين بالمدن المغربية قبل فرض الحماية، فقد وُجد العديد منهم بها قبل سنة 1912، ففي سنة 1904 نجد أن أهم المدن المغربية تتوفر على أطباء فرنسيين، مثل الدكتور ميرل Merle بالدار البيضاء، و الدكتور Blanc بالجديدة، و الدكتور موران Mauran بالرباط، و الدكتور ترولار Trolard بأسفي، و الدكتور موشون Mauchamp بمراكش، و الدكتور Murat بفاس، و أخيرا الدكتور ليريس دو كامبرودون Leyris de Campredon بالصويرة و هو الذي سندرس في هذا الموضع جزءا من مذكراته.
ظلت الخدمة الصحية في المنطقة السلطانية الخاضعة للاحتلال الفرنسي، مرتبطة بالشأن العسكري، لأنها كانت بمثابة سلاح في غاية الأهمية للتدخل السلمي الذي ينموا حقل عمله بشكل لا متناهي، و لم تستقل عن القيادة العسكرية إلا سنة 1926.
إن الكتاب الذي ألفه الطبيب الفرنسي بالصويرة L.De Campredon،و الذي يحمل عنوان Quarante-cinq ans de souvenirs Marocains 1904-1948 ” ” خير دليل على تداخل ما هو طبي بما هو سياسي و عسكري، فالكتاب حامل بالتفاصيل الدقيقة عن العمليات العسكرية و المفاوضات الديبلوماسية و السياسية الفرنسية المغربية، كما انه يكشف عن تورط الطبيب في أعمال التمهيد للتغلغل الاستعماري، مؤكدا بذلك العبارة الشهيرة للمارشال ليوطي : ” طبيب واحد يعادل فيلقا “.

الطبيب ليريس دوكامبرودون شاهد على الحدث

وصل الطبيب Leyris إلى المغرب سنة 1904 لاقتناعه بالدور الاستراتيجي و الإختراقي للطبابة بهذا البلد، و استقر في البداية بالدار البيضاء، حيث كان يقطن أخوه دومينيك كودياني Dominique Gaudiani، و بعد ثلاث سنوات انتقل إلى مراكش، و منها سيلتحق بالصويرة (موكادور) ليزاول مهامه كطبيب تابع لإدارة الصحة و الوقاية العمومية بالمغرب.
اشتمل كتابه المشار إليه أعلاه، والذي قام بنشره سنة 1949 بالمطبعة السريعة (بالدار البيضاء،فاس،مكناس و اكادير) على مجموعة من المعلومات المهمة المرتبطة بالأحداث و التطورات التي شهدها المغرب طيلة الفترة الممتدة ما بين 1904 و 1948، إلا أننا اخترنا الحديث هنا عن سنة 1912 باعتبارها لحظة فاصلة بين المغرب المُستقل و مغرب الحماية، و جاء اختيارنا للمجال الجغرافي الواقع بين مراكش و الصويرة، لان هذا الفضاء شهد تحولات عميقة خلال هذه الفترة ساهمت في تغيير مورفولوجيته السياسية و الاجتماعية. إذ واجهت مراكش سنة 1912 موجة من الأحداث على رأسها ثورة احمد الهيبة ابن الشيخ ماء العينين و احتلاله لمراكش، ثم مواجهة القوات الفرنسية له بسيدي بوعثمان. كما اتسعت رقعة هذه الأحداث لتشمل الصويرة و محيطها، و بشكل خاص قصبة “دار القاضي” التي حُوصِر بها طابور فرنسي (60 رجل) من طرف قوات الهيبة البالغ تعدادها 6 أو 7 آلاف رجل !!!
جاءت رواية الطبيب Leyris مليئة بالتفاصيل، لاتصاله و ارتباطه بشكل مباشر كما ذكرنا بالمؤسسة العسكرية الفرنسية التي كانت تزوده بمعلومات مُحيّنة عن مجريات الأحداث، فهو ينسب معلوماته في بعض الأحيان إلى قادة العلميات العسكرية أنفسهم كما جاء في إحدى الفقرات حيث قال : ” عند عودته إلى موكادور، قدم لي القائد ماسوتيي Massoutier بعض التفاصيل حول العملية التي قادها و ترأسها “، و هذا يُكسب روايته بعض المصداقية، إلا انه يجب مع ذلك الاحتراس من الرواية الرسمية التي قد تُقدمها المؤسسة العسكرية الفرنسية.

أحمد الهيبة على أبواب مراكش

يبتدئ الطبيب Leyris بوصف الأوضاع السياسية بحوز مراكش سنة 1912 قائلا : “كان الأفق بالحوز يُظلم بشكل خطير من حين لآخر، وخاصة بجهة مراكش. أما الفوضى فكانت تتغذى بالصراعات الداخلية التي كانت تُقسِم القواد : المتوكي و الكلاوي.
الحدث الأساسي في الأيام الأخيرة من شهر يونيو، كان عندما انطلقت فجأة ثورة احمد الهيبة ابن ماء العينين ذو الصيت الذائع، وقائد الرجال الزُرق، و الذي كان يمارس سلطته عند تخوم الصحراء، في المنطقة نفسها التي خلق لنا فيها قديما مشاكل بالغة الخطورة، إلا أنها انكسرت بفضل العمل القوي لكُورو Gouraud.
لقد كانت لي معرفة سابقة بهؤلاء الرجال الزُرق، و أتذكر رؤيتهم بالصويرة، حينما كانوا يزوروننا بشكل مفاجئ خلال سنوات 1908،1909،1910….كيفما كان الحال، تمت مبايعة الهيبة سلطانا بالمسجد الجامع بتزنيت، بعدما أثار قبائل سوس ضد سلطتنا”.
ويصف لنا الطبيب بعض الإجراءات التي اتخذتها القيادة الفرنسية بالمغرب للحيلولة دون تقدم احمد الهيبة نحو مراكش، قائلا : “أرسل ليوطي، الذي أدرك خطورة الوضع في هذا الوقت بالضبط، القائد فيرلي انوس  Verlet-Anus إلى عاصمة الجنوب، إذ خطر له أن هذا الأخير سيكون قادرا على التوافق و التفاهم مع القواد المتوكي و الكلاوي و الكنتافي، الذين سيَحُول عملهم المشترك و المُتوازي دون عبور الهيبة الغاضب لمضايق و ممرات الأطلس. خلال هذه الفترة بالضبط نشأت في ذهن ليوطي، سياسة القواد الكبار.
يستعرض الطبيب بعد ذلك أهم التطورات التي عرفتها مراكش ما بين 15 يوليوز 1912 و 6 سبتمبر من نفس السنة بعد احتلالها من طرف جيوش أحمد الهيبة : “كان الوقت قد تأخر لاعتراض طريق الهيبة، الذي دخل منتصرا منذ 15 يوليوز مدينة مراكش التي عمت الحماسة سكانها. و قد أسَر الفرنسيين التالية أسماؤهم:
– السيد Maigret، قنصل فرنسا.
– الطبيب Guichard، الذي خلف الطبيب Mauchamp في مهمته.
– السيد Monge، موثق العقود بالقنصلية.
– الملازم الأول Haring.
– الملازم Kouadi.
– القائد Verlet-Hanus، مبعوث في مهمة سياسية.
– المارشال De Logi Fiori، تمكن من البقاء مختبئا عند باشا المدينة الحاج التهامي الكلاوي.
استقر الهيبة بدار المخزن التي عاش بها حلما ذهبيا طيلة شهرين، إلا أن مانجان Mangin أيقضه بعنف، بعدما انتصر عليه في معركة سيدي بوعثمان الحاسمة في 6 سبتمبر، ثم احتل بعد ذلك مراكش… فرّ الهيبة، و تم تحرير مواطنينا الستة، الذين لم يتعرضوا لحسن الحظ لأي تعنيف أو سوء معاملة”
لقد اخترق الشيخ احمد الهيبة الحواجز التي حاول الفرنسيون إقامتها، فأثار بذلك الرعب و الخوف داخل القيادة الفرنسية، و تشهد رسالة بعث بها ليوطي إلى صديقه بول يشانيل في شهر غشت من سنة 1912 على ذلك، يقول فيها : ” لقد قضيت أقسى شهر في حياتي، فبعد وصول الهيبة بن ماء العينين إلى مراكش انفجر المغرب عموما..من الشمال إلى الجنوب، حتى أصبحت أخاف الانهيار، لقد شعرت بان حصوننا أصبحت على بعد أصبعين من السقوط، و من جميع الجهات تصلني الصرخات من أحسن ضباطي، كورو، دالبييز، بلور ندال، كلهم ينادون : أغيثونا إننا في النفس الأخير، ولا استطيع إجابتهم بل إني كنت مضطرا لاستغيث بهم و اسحب منهم رجالهم لإقامة حصن ضد هذا التيار القادم من الجنوب “.
نسجل هنا اختلافا حول تاريخ دخول احمد الهيبة مدينة مراكش، فالطبيب لِيريس يجعله في الخامس عشر من شهر يوليوز، أما الباحث غاستون دوفردان فيضعه في 18 غشت 1912 و يتفق معه عباس بن إبراهيم التعارجي الذي جعل دخوله لمراكش يوم الأحد 5 رمضان 1330هـ / 18 غشت 1912، ففي رسالته حول ثورة الشيخ احمد الهيبة، المحفوظة في إحدى نسخها بمكتبة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء، يقول : “و في يوم الأحد 5 رمضان دخل (مربيه ربه) في جموع عديدة، و كانت الخيل مصطفة صفين ممتدين من ظاهر المنارة احد جنات المخزن إلى باب يغلي، و قد عجبت من كثرة تلك الجموع”
كما أن الاختلاف يشمل الفترة التي قضاها الهيبة بمراكش قبل خروجه منها، فالطبيب ليريس يشير إلى كون الهيبة أمضى شهرين بدار المخزن، أما غاستون دوفيردان فيُدلي برأي مخالف، يقول : ” وصل الهيبة في الثامن عشر من غشت، و استقر بالقصر الملكي و عقدت له البيعة كسلطان…و فرّ الثائر الصحراوي بسرعة ليلة 6 أو 7 سبتمبر تحت وابل من الرصاص كان يطلقه عليه سكان مراكش و فرسان الكلاوي و العيادي ” أي أن إقامته بمراكش لم تتعد الشهر الواحد.

أحمد الهيبة بأحواز الصويرة

فشلت ثورة الهيبة أمام زحف القوات الفرنسية و توحدها و تنظيمها، فقد اتجهت تسعة فيالق فرنسية يقودها أربعة و عشرون قائدا من مختلف الرتب العسكرية، مزودين بالأسلحة الثقيلة و الخفيفة كذلك، كما ساهم القواد الكبار في التمهيد لهذه الهزيمة (هزيمة سيدي بوعثمان) عبر نقلهم لتقارير سرية عن تحركات الهيبة إلى القيادة الفرنسية.
إلا أن خطر الهيبة لم يزُل تماما رغم هزيمته في معركة سيدي بوعثمان، بل ظلت قواته تهدد امن الأوربيين بالمنطقة، و تدعو القبائل إلى الثورة، و هو ما دفع بالسلطات العسكرية بمدينة الصويرة إلى تنظيم حملات تمشيطية بجنوب المدينة لدفع أي خطر قد يهدد المدينة، و حول هذا يقول الطبيب ليريس :” إلا أن رحيل الفتَّان، لم يوضح الوضعية بالجنوب، و حافظ حضوره بالبلاد على الهيجان الخطير في صفوف القبائل المتمردة. كما أن الهيبة لم يقل كلمته الأخيرة، بعد هزيمته أمام مانجان.
و هكذا، حوالي 15 دجنبر من هذه السنة (1912) عزمت السلطة العسكرية بموكادور، بعدما تم  تحذيرها من طرف مصلحة الاستعلامات، على تنظيم جولة للشرطة بجنوب المدينة. لهذا باشر طابور الشرطة سيره مُدعما بفرقتين من الزواويين Zouaves، مكوِنين بذلك ما مجموعه 600 رجل. و كان الكل خاضعا لأوامر القائد ماسوتيي Massoutier.
كان من المفروض على هذه الفرقة العسكرية أن تنْظَم لقوات القائد أنفلوس، حتى تنقلِب في النهاية ضد حركة الهيبة. إلا انه، وللأسف استهانت و استخفت مصلحة الشؤون الأهلية بشكل كبير بأخلاق شريكنا المتوقع… فالقائد البربري… نصب لنا فخا وقعنا فيه بكل براءة. فعند اقترابنا ، ربط اتصالا مُدبرا مع قوات الهيبة.
فكنا مضطرين آنذاك، لمواجهة فرقة عسكرية منظمة مكونة من 6 أو 7 آلاف رجل، واشتدت الظروف خطورة، حينما وجدنا أنفسنا بمجرى سيل وَعِر و غير ملائم للدفاع.
وجدنا الملجأ الأخير – في ظل هذه الظروف الحرجة والحاسمة – في الاحتماء بأسوار قصبة فارغة توجد بالجوار، كانت هذه القصبة تحمل اسم دار القاضي. و ستكون وراء نشأة القضية الشهيرة باسم القصبة نفسها، والتي أريد أن أقدم حولها بعض المعلومات.
لقد أمكننا و نحن داخل القصبة، أن نصد نسبيا غارات الجنود المُهاجمين، و كنا نتوفر بشكل كاف على: المؤن، الأسلحة و الذخائر، مدعومين بمدفعين من عيار 75. لكن و للأسف لم نكن نتوفر على الماء، كما أن اقرب عين ماء كانت تبعد بأكثر من كيلومتر عن أسوار القصبة، و قد أضعفت هذه المسالة الحيوية وضعيتنا وجعلتها هشة.
لم أغادر شخصيا الصويرة، فقد اضطررت للبقاء في اللحظة الأخيرة، بسبب التزامات طبية، إلا  أننا كنا نتوصل بمعلومات يومية عن هذه الأحداث الدرامية، التي كانت تجري على بعد أربعين كيلومترا في الجنوب، و اعرف جيدا  كل التفاصيل الدقيقة المرتبطة بهذه العملية العسكرية.
في الواقع، كان جندي من الطابور يقوم كل ليلة بالتسلل خارج أسوار دار القاضي، ليحضر لنا رسالة”
أدى إذن تحالف القائد أنفلوس مع قوات الهيبة إلى محاصرة الطابور الفرنسي خارج الصويرة بدار القاضي، و هو تحالف مُدبر و مهيأ له كما ذكر المؤلف، خالف توقعات إدارة الشؤون الأهلية.
و يتابع المؤلف سرد وقائع هذه القضية ( قضية دار القاضي ) قائلا: ” لم تبق السلطات العسكرية جامدة أمام ضغط الأحداث، فقد أرسل الجنرال ليوطي بشكل عاجل عبر البحر، فيلقا عسكريا من 6 آلاف رجل تحت قيادة الجنرال Brulard… وبعد انتظار دام ثلاثة أيام تم إنزال وحدات النجدة التي سارعت للعمل بنِيّة الصمود و المقاومة.
لازلت أتذكر رؤية الزواويين، القناصة الجزائريين، الخيالة، والقناصة الألبيين، يصقلون أسلحتهم على الشاطئ…
عند عودته إلى الصويرة، قدم لي القائد Massoutier بعض التفاصيل حول العملية التي قادها و ترأسها، واخبرني انه إلى جانب العطش الذي عانوا منه أزيد من أسبوع، عانوا بشكل خاص من الرائحة النتنة المنبعثة قرب القصبة، فقد كان هناك ركام جثت حقيقي مكون من جثت الجنود المهاجمين الذين لم يستطع البربر حملهم، فتركوهم يتعفنون تحت أشعة الشمس المغربية الحارقة.
من ناحية أخرى، أشار القائد إلى حادث يوضح بشكل رائع وفاء الأهالي داخل طابوره، فقد كان هذا الأخير مكونا في زمنه من رجال القبائل المجاورة التي أصبحت اليوم تقاتل إخوانها. و الحالة هذه، كانت نساء و أمهات و خطيبات العساكر، يدعون هؤلاء كل ليلة إلى الثورة.
و يضيف القائد Massoutier قائلا : ” لم تحدث أية ردة، وبكل تأكيد، لو كان الأمر بخلاف ذلك لاجتاحنا العدو.”
ثم يختم الطبيب Leyris حديثه عن هذه القضية بتحديد حجم الخسائر في صفوف الفرنسيين قائلا :” لقد كلفتنا قضية دار القاضي، عشرين قتيلا و خمسين جريحا، و من بين القتلى نجد الملازم الأول Chamand من إدارة الشؤون الأهلية…
لقد استرجعت ذكراه الأسبوع المنفرط، أثناء عودتي من اكادير التي احتفظ بالحنين لها.
و على بعد أربعين كيلومترا جنوب الصويرة، على يسار الطريق، تركت هذه الكتابة على احد الأنصاب  “قلعة Chamand” على بعد ثلاث كيلومترات.
و ليست هذه القلعة سوى القصبة الشهيرة التي لُقبت بهذا الاسم حتى تحافظ على ذكرى الرجل الذي قُتل بها من اجل فرنسا.
وقد تساءلت مع نفسي: ” السائح الذي يجهل كل شيء عن المغرب، سيقول دون أدنى شك، أن هذه النقيشة تشير إلى إقامة مُعمِر ثري بالمنطقة “.
يشكل هذا النص شهادة حية و معاصرة لأحداث ساهمت في زعزعة الأوضاع بمراكش تمهيدا لاحتلالها من طرف القوات الفرنسية مباشرة بعد معركة سيدي بوعثمان سنة 1912.