الرئيسية » الأرشيف » رمضان في مراكش بين الأمس واليوم

رمضان في مراكش بين الأمس واليوم

 

الكاتب:
حليمة الإسماعيلي

لشهر رمضان في مدينة االحمراء سحر خاص وعبق مميز وطقوس جذابة، بالرغم من التغيير الذي يشهده المجتمع المغربي عامة والمجتمع المراكشي بصفة خاصة، الكثير من العادات والطقوس التي اندثرت أو بدأت في التلاشى تدريجيا بفعل التقدم الحضاري وتغيير نمط العيش وازدياد التكاليف وغلاء المعيشة.

في هذا الروبرطاج نسلط الضوء على رمضان بعيون مراكشية تعيش الفترة الحالية و عاشت الفترة الماضية لتقارن بين اليوم والأمس :

 

“لم يتغير رمضان لكن يبدو أننا نحن من تغيرنا”

إلتقينا  الحاجة مينة المنصوري التي تحدثت عن رمضان الأمس بكثير من الحنين. تقول: “في الزمان الغابر  كان المراكشيون يستعدون  بحوالي أسبوع أو أكثر قبل حلوله وذلك بتوفير كل الحاجيات التي يحتاجونها،  وتعمل النساء على تنظيف وترتيب بيوتهن استعدادا لقدوم هذا الشهر كي يكون ملائما للجو الروحاني لشهر رمضان،  ويقمن بصناعة شتى أنواع الحلويات من أشهرها حلوة الشباكية والمخرقة، وسلو أو “سليلو”  كما يحب أن يتلفظ به أهل مراكش، و ينقين التوابل ويقمن بطحنها”.

وتتابع بأسى:”الآن للأسف أغلب السيدات يشترين هذه الحلويات جاهزة، كما أصبحت الأسر تفطر وحدها  بعيدا عن الإفطار الجماعي العائلي الذي كان ينظم كل يوم في بيت من بيوت العائلة ، و إن كنت ما زلت أحرص جمع أبنائي عندي خلال نهاية الأسبوع”.

وبنبرة حزن تضيف : “لم يتغير رمضان لكن يبدو أننا نحن من تغيرنا”.

من جهتها تشاطر السيدة زهرة البردعي رأي الحاجة مينة قائلة:”كل شيء كان له قواعد و أصول، كنا نبدأ الصيام في شهر شعبان استعدادا لصيام شهررمضان، حيث يبدأ التحضير لاستقبال هذا الشهر على بعد أسابيع، بتحضير العطرية (التوابل) والفواكه الجافة والحلويات…إذ يعرف الإقبال على هذه المواد شكلا منقطع النظير، حيت تشتري النساء السمسم واللوز والجوز والكاوكاو(الفول السوداني)…ليحضرن ما يلزم لإستقبال هذا الشهر”.

مضيفة:”وعند الإفطار تجتمع الأسرة كلها حول المائدة لتستمتع وتتغدى على ما لذ وطاب من الوصفات المغربية الأصيلة ، الحريرة، الشباكية، البريوات وسلو أو (التقاوت) والملاوي،البطبوط، الرغايف، المخمار والبغرير(أنواع من الفطائر) والعصائر والشاي المغربي المنعنع والثمر والشريحة…”.

وتكمل حديثها:”وليلة رؤية الشهر كان لها مكانة مختلفة كنا  نصعد إلى السطوح لنرى الهلال و نستقبله بالزغاريد و التهليل و التكبير، ويخرج الصغار والكبار يجوبون حارات و أزقة المدينة فرحين.

وكان الطعام بعد الإفطار له نكهة خاصة حيث كنا نقوم بإعداد العشاء أكلة (التريد)، وهو عبارة مرق بالدجاج وأوراق رقيقة من عجين القمح تسمى في مدن أخرى (الرفيسة)، أو الطنجية بلحم الغنمي أو البقري أو الكرعين” .

وختمت حديثها :”مازالت بعض هذه المظاهر تعم المدينة القديمة ولكن تراجعت بشكل كبير أمام هذا التغيير في المجتمع المغربي”.

رِؤية الهلال بزغاريد الفرح والترحيب بالضيف الجديد

وللرجال كلمة بخصوص استقبال رمضان، فقد أعرب السي  محمد المغازلي عن رأيه قائلا: “كانت النسوة يجتمعن في سطوح المنازل بالمدينة العتيقة في انتظار رؤية الهلال ليطلقن زغاريد الفرح والترحيب بالضيف الجديد… النفار يخرج كل عشاء ليتجول في أزقة المدينة القديمة، فيما كان الغياط يجوب الدروب كل وقت سحور.

الملاحظ اليوم أن هذه الأجواء تراجعت بشكل كبير لدرجة أن الناس لم يعودوا يميزون بين ليلة رؤية الهلال عن غيرها في ظل انتشار وسائل الإعلام المرئية والمسموعة للتأكد من بداية شهر رمضان. أما النفار والغياط فقد بدأ دورهما يتلاشى”.

و في إطار المتغيرات يتابع المغازلي:”كما تغيرت أشياء كثيرة بسبب تراجع القدرة الشرائية وغلاء المعيشة، واستقلال الأسر وعمل المرأة طوال اليوم خارج البيت و موسم الامتحانات عند الصغار والعمل . لكن مازالت تحافظ الكثير من الأسر في مراكش  العتيقة على عادة تناول فطور اليوم الأول من رمضان في منزل كبير العائلة، وهذا المنزل قد يكون بيت الجد أو الأب وتقدم هذه العادة على أنها من العادات الملزمة والضرورية للحفاظ على أواصر القرابة وتمتين العلاقات الأسرية.

رمضان شهر التكافل والتعاون

وتتحدث خديجة الصوابني عن  جانب آخر في رمضان وهو التكافل والتعاون الذي لم ينقطع بين أهل مراكش رغم اختفاء بعض الجوانب الأخرى حيث تقول :” عادة ما يجتمع الأهل والأقرباء لتناول الإفطار في بيت الوالدين وبعدها تتداول الزيارات بين أفراد العائلة لصلة الرحم وتمتد إلى الأقرباء والأصدقاء. وللفقراء والمحتاجين باب واسع في هذا الشهر المبارك حيث ترسل وجبات الفطور إلى كل محتاج يعرفه الناس وأهل الحي ويتبارى المحسنون في إحسانهم…”

كما تحدثت عن أجواء ما بعد الإفطار والتراويح التي مازالت تعرفها المدينة الحمراء حيث أن بعض سكانها يفضلون  قضاء أوقاتهم الليلية بعيدا عن المقاهي والمنازل، مفضلين التوجه رفقة العائلة نحو الفضاءات الخضراء والحدائق العمومية بالمدينة من أجل الاسترخاء وأخذ قسط من الراحة والاستمتاع ببرودة الأجواء واستنشاق روائح الأزهار المنبعثة من العرصات المتواجدة بالمدينة، دون أن تخلو هذه النزهات من تذوق الطنجية الأكلة الأصيلة التي تتفرد بها المدينة.

رمضان: للاعودة و”النفافرية”

رمضان معروف بظاهرة النفافرية الذين يوقظون الناس للسحور.  عن أصل إيقاظ النفافرية للناس أوقات السحور تقول خديجة :” تحكي الروايات الشفهية بمراكش انه يحكى عن لالة عودة السعدية أم المنصور الذهبي أنها فطرت يوما عمدا في رمضان وشعرت بالندم فوهبت كل ما تملك لفائدة النفافرية ليدعون لها من الله جل جلاله بالمغفرة والتوبة،  ومن يومها كان النفافري ينشد على نغمات نفاره :عودة كالت رمضان بالخوخ والرمان اغفر ليها يارحمان”.

حركية مراكش في رمضان

لا شك ان شهر رمضان في مراكش وغيرها من المدن المغربية يشكل فرصة لإحياء صلة الرحم وزيارة الأهل والأحباب، خاصة قبيل آذان المغرب وقبل صلاة العشاء وأداء صلاة التراويح.

لكن لمراكش نكهة خاصة في رمضان، فهي تعرف حركية تضاهي حركية النهار في الأيام العادية: الخرجات العائلية والفسحات والتسوق وممارسة المشي…

كما أن ساحة جامع الفنا تفتح حلقاتها للأطفال والنساء و الرجال المقيمين والسياح .