الرئيسية » الأرشيف » "الكوتشي" جمال وتاريخ ووسيلة أساسية للتنقل في شوارع مراكش

"الكوتشي" جمال وتاريخ ووسيلة أساسية للتنقل في شوارع مراكش

الكاتب: 
سكينة الإدريسي

منظرها يوحي بقصص ألف ليلة وليلة، بالنهاية السعيدة عندما يلتقي الأميران ويسافران عبر الزمن في خيال ليست له بداية ولا نهاية. هي رمز للرومانسية في ذلك الزمان وفي هذا الزمان أيضا. هي الوسيلة التي تنقلك من مكان إلى مكان ومن زمان إلى آخر، حيث كانت تتجول الكونتسات والنبلاء. تلك هي عربة “الكوتشي” التي تتجول في المدينة الحمراء ومثلها في العالم تتجول شوارع فيينا وروما وتونس وغيرها من المدن العالمية.
يقول سائقوا العربة إنهم اتفقواعلى أن يجعلو منظر العربة كماهي عليها الآن ولكن هناك من يقول بأن اللون الأخضر لم يكن عبثيا، وإنما له دلالات أصولها دينية، فاللون الأخضر مميز في الدين الإسلامي ومعانيه تتلخص في السلام والأمن والحرية.
“الكوتشي” كلمة موجودة في جميع اللغات اللاتينية وتعني باللغة الإسبانية “العربة”. تاريخها حسب بعض المهنيين يعود إلى قرن من الزمن، وحسب عبد الجليل لوديني إلى عام 1911.منذ ذلك الحين يقول سائق العربة الذي اشتعل رأسه بالشيب حملت العربة مختلف المواطنين والجنسيات.
يقول الوديني إن هناك جمعية تقوم بتنظيم وسيلة النقل هذه، وهناك مسارات معينة يتم التنقل فيها وهي من جامع الفنا إلى باب دكالة، ومن جامع الفنا إلى المصلى، ومن جامع الفنا لأوغمات. من أجل التنقل بين هذه المسارات يدفع الزبناء خمسة دراهم فقط للشخص الواحد وعندما يتعلق الأمر بجولة عبر أرجاء المدينة فالسعر متفق عليه ويبلغ 120 درهما سواء تعلق الأمر بسياح أجانب أو مغاربة.
خديجة بلمختار سائحة كانت تتجول وتبحث عن عربة تحملها وأطفالها في جولة لتكتشف شوارع وأزقة المدينة، تفاجأت بالسعر الذي طلب منها وقالت إنه مرتفع وإن وافقت اليوم على ركوب العربة فلا يمكنها استعمالها مرات ومرات. طرحنا السؤال على لوديني وسألناه عن سبب غلاء ركوب الكوتشي فرد قائلا “120 درهما مقابل جولة تمتد إلى ساعة من الزمن ليس مبلغا كبيرا، أي شخص يمكن أن يدفع هذا المبلغ ليتجول في أرجاء المدينة.”الكوتشي” له مصاريف كثيرة، فالحصان فقط يصرف عليه يوميا حوالي 60 درهما، والمصاريف التي تتطلبها العربة تصل إلى 400 درهم، نحن نواجه العديد من المشاكل والصعوبات ومع ذلك نريد الحفاظ على “الكوتشي” وتوفير هذه الخدمة للسكان والسياح”.
في هذه اللحظة فتح لوديني المجال للحديث عن المشاكل والصعوبات التي تواجه سائقي عربات “الكوتشي” عندئذ اقترب عدد من زملائه من بينهم شباب ومسنين قال لوديني “من بين المشاكل التي يعانيها أصحاب “الكوتشي” هي عدم وجود محطات وأماكن خاصة بوقوف العربات، هناك فقط محطة واحدة هي جامع الفنا، الأمر يزداد صعوبة يوما بعد يوم”.
بالكاد أنهى الرجل كلامه أو لم ينته بعد تدخل سائق آخر في الستينيات يدعى عبد الله بنريمو، كان قد تتبع حديث زميله منذ البداية وقال “هناك 150 عربة تجول المدينة، وهناك محطة واحدة فقط طاقتها الاستيعابية لا تتجاوز 20 عربة. حاولنا حل المشكل فأضفنا صفا ثانيا موازيا للصف الأول فتمكنا من توفير أمكنة شاغرة لحوالي 36 عربة. من جهة أخرى العربات تتكاثر كل يوم والعدد يصبح أكبر فأكبر، وأحيانا هذه الاجتهادات تسبب لنا مشاكل مع القايد والمسؤولين”، وتابع قائلا “أنا أعلم أن عدد “الكوتشيات” كبير ويفوق الطاقة الاستعابية لساحة الفنا ولكن ليس بيدنا حيلة”.
تحدث بنريمو مطولا عن معاناته وزملائه في هذه المهنة وقال إنه كمهني ليس راض عن الوضع، وأشار إلى أن السائقين امتثلوا لطلبات السلطات المحلية عندما طالبوهم بالعناية بالعربات وبمظهرها الخارجي مقابل الحصول على الدعم ولكن اجتهادات السائقين حسب بنريمو لم تثمر بشيء، ولم يحصلوا على دعم ولا هم يحزنون، بل ازدادت المضايقات والضغوطات ليجعلوا السائقين ينفرون من هذه المهنة حسب فهم بنريمو.
وبشأن مطالب سائقي عربات “الكوتشي” قال بنريمو باسمه وباسم زملائه “نحن نطالب أولا بأن تخصص لنا أماكن يمكن أن تتوقف فيها عربة الكوتشي من دون مضايقات، كما نطالب بعدم إلزامنا بالمسارات المحدودة، وبعدم منعنا من المرور من بعض الأماكن”. في هذا الصدد أوضح بنريمو أن هناك بعض الطرقات التي يمنع المرور منها أو الوقوف فيها على الرغم من أن تسعيرة الذهاب إليها محددة، هذه الأماكن هي قصر الباهية مثلا، التي حددت تسعيرة الذهاب إليها بمبلغ 30 درهما، وفي حالة مخالفة القانون يقول السائق “تصدر في حقنا عقوبات ونحرم من رخصة سياقة العربة”. من جهة أخرى يضيف الرجل الستيني “دخول الحافلة الحمراء المكشوفة “ألزا” حرمتنا من العديد من الزبناء وأصبحتت تتزاحم معنا في بعض الشوارع والوجهات مثل شارع فرنسا ومحمد الخامس والنخيل وماجوريل وقبور السعديين… هذه الأماكن أصبحت حقيقة نقط سوداء للعربة ولم يعد لنا فيها نصيب للاسترزاق، حقيقة هذا سبب رئيسي يساهم في معاناتنا”.
يقدر الدخل اليومي للسائقين حسب بنريمو بـ500 درهم في نهاية الأسبوع حيث يزداد الإقبال على “الكوتشي” وقال، السؤال الحقيقي لا يتعلق بكم يجني سائق “الكوتشي” في اليوم، ولكن السؤال الأهم هو ماذا يفعل هذا السائق في الأيام التي يقل فيها الإقبال على ركوب العربة. وبالحديث عن الدخل والمصاريف قال السائق “معظم السائقين مدينين للبنك الشعبي الذي قدم لهم القروض من أجل اقتناء الحصان وتغذيته والعناية المستمرة بالعربة”.
من بين المطالب الأخرى التي أجمع عليها السائقون الذين اجتمعوا حول العربات في جامع الفنا هو تحمل المسؤولين مسؤوليتهم والعثور على حل جذري ومستعجل لكل هذه المشاكل، كما دعوا إلى إعادة هيكلة القطاع، وقال بنريمو في هذا الإطار “يرتقب أن يعرف المجال إعادة هيكلة كلية، ونتوقع أن تصبح الأمور في مستوى رفيع إذا تم الأخذ بعين الاعتبار المخطط الذي نقترحه ونراه مناسبا لتطوير “الكوتشي” الذي يعتبر وسيلة تنقل أساسية في المدينة الحمراء”.
يعتبر السياح الأجانب من جهتهم، أن سعر الجولة معقول جدا، وهم لا يمانعون في دفع 120 درهما مقابل لحظات من المتعة والسعادة. غير أن هؤلاء ينتقدون الرائحة الكريهة التي تنبعث من مخلفات الأحصنة خصوصا في المحطة الرئيسية في جامع الفنا. الأمر صحيح فأحيانا ترصد المارين وهم يغطون وجوههم حتى يتفادوا استنشاق الرائحة الكريهة أو تجدهم يسرعون في خطواتهم من أجل الإسراع وتجاوز تلك الرائعة الكريهة.
بنريمو الذي فوض له السائقون حق الحديث والدفاع، قال في هذا الشأن “بالنسبة لمخلفات الأحصنة هناك رجل يتكلف بنظافة المدينة ويراقب الأماكن التي تمر منها العربات هذا بالإضافة إلى عمل البلدية التي تقوم بدورها من ناحية تنظيف المدينة”.
تتجول عربات “الكوتشي” في المدينة الحمراء ليل نهار، فالحركة دؤوبة ولا تتوقف إلا ساعات قليلة في الفجر، لذلك فساعات العمل بالنسبة لسائقي “الكوتشي” تضبط حسب توقيت وجود السياح في الخارج. يقسم السائقون أوقات العمل على ساعات النهار وحسب عدد العاملين فيها ويصل العدد إلى أربعة أشخاص يعملون في العربة الواحدة.
يشترط في سائق الكوتشي أن يكون حاملا لرخصة “الثقة” ورقما خاصا بالعربة لضمان أمن الركاب، فقد يركب على متنها رؤساء دول وأمراء ووزراء ونجوم من مختلف الجنسيات.
يعتقد بنريمو أن سياقة “الكوتشي” حرفة شريفة وعنصر جمالي ينضاف إلى مجموعة من العناصر التي تعطي للمدينة رونقا خاصا. وقال “الكوتشي أصبح من المعالم والمآثر المتحركة في المدينة، فقد تجاوز وجودها مائة عام وقد اعترفت بها اليونسكو ضمن المآثر العالمية”.
تحتل مراكش يوما بعد يوم مركزا متقدما في تصنيفات السياحة العالمية وقد صنفت المدينة أخيرا حسب موقع “تريبادفايزر” المتخصص في السياحة بأنها أول وجهة سياحية في العام الحالي، حيث استقبلت أزيد من مائتي ألف سائح. هذا التقدم المستمر يرجع للجو الذي تتميز به مراكش وللعناصر السياحية التي تتوفر عليها المدينة من بينها عربات “الكوتشي”.