الرئيسية » 24 ساعة » كلمة وزير العدل محمد بن عبد القادر في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مراكش الدولي للعدالة

كلمة وزير العدل محمد بن عبد القادر في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مراكش الدولي للعدالة

كلمة السيد وزير  العدل الأستاذ محمد بن عبد القادر في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مراكش الدولي للعدالة في موضوع 
  العدالة والاستثمار ، الرهانات  والتحديات .
 مراكش : 21 أكتوبر 2019

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .
السيد مستشار صاحب الجلالة المحترم ؛
السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان والعلاقات مع البرلمان المحترم ؛ 
 السيدات والسادة أعضاء الحكومة المحترمون ؛ 
السيدات والسادة وزراء العدل ورؤساء السلط القضائية والنيابات العامة في الدول الشقيقة والصديقة المشاركة ؛ 
السيدات السادة رؤساء وأعضاء الوفود المشاركة ؛ 
أيها الحضور الكريم ضيوف المؤتمر كل بإسمه و صفته ؛

مضت سنة ونصف على انعقاد الدورة الاولى لمؤتمر مراكش الدولي للعدالة الذي سَعِدَتْ فيه المملكة المغربية باستضافة أعلام بارزة وشخصيات وازنة من عالم العدالة، ونَعِمَتْ فيه بمن اجتمع فيها من قادة الرأي وصناع القرار، في دورة تكللت أشغالها بالنجاح و كانت حافزا لنا لمواصلة المشوار .
وها نحن نجتمع اليوم في الدورة الثانية من  هذا المؤتمر، لنواصل حلقات النقاش الهادئ و الرصين حول المواضيع المرتبطة بشؤون العدالة في مسار لا أشك البتة في أنه سيتعزز ويزداد  غنى وثراء بمن انضم إلينا من وفودٍ جديدة، وبما أتاحته التجربة الاولى من زيادة وضوحٍ في الرؤية وتركيزٍ في الاهداف، وتساوقٍ للغايات مع الحاجيات ؛ 
يستمر اللقاء إذن ويتجدد، ومعه تتجدد دواعي السرور بالترحاب بضيوف المملكة الاعزاء الذين حلوا على الرحب والسعة بين ظُهْرَانَيْنَا في أرض المملكة المغربية ، أرض اللقاءات الدولية الكبرى ، و النقاشات الهادئة و المعمقة للبحث عن الحلول لمختلف الإشكالات التي تواجه عالمنا المعاصر سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية او الاجتماعية  أو الثقافية او الحقوقية او القانونية.  
وإن مما يبعث على الفخر والاعتزاز ، ويوفر لهذا المؤتمر سُبُلَ النجاح ، ما يحظى به من رعاية ملكية سامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، رعاية تترجم عمق إيمان جلالته بأهمية العدالة ، ودورها في بناء المجتمعات واستقرارها، وازدهارها  ونمائها، كما تعكس حرصه المولوي على تشجيع الاستثمار وتوفير كل الامكانيات لكسب رهاناته والتغلب على تحدياته. 
وإن الواجب ليدعوني لأن أرفع إلى جلالته حفظه الله أصدق عبارات الشكر والامتنان، على موصول عنايته الكريمة التي خص بها جلالته، فعاليات هذا المؤتمر منذ نسخته الاولى، والتي صار وسيصير بها تقليدا دوريا ،  ومحطة متجددة تلتقي عندها الأفكار وتجتمع فيها الرؤى، وتُتَقاسم فيها التجارب والممارسات الفضلى، وتُتَبادل فيها وجهات النظر في المواضيع المنتقاة برسم كل دورة.
أصحاب المعالي ؛  أصحاب الفضيلة ؛ حضرات السيدات والسادة ؛ 
لم يقع الاختيار عبثا على موضوع العدالة والاستثمار بما يطرحانه من رهانات             وتحديات، ليكون شعار هذه الدورة ، إذ لا أحد ينكر ما للاستثمار من أهمية قصوى في اقتصاديات البلدان، وما يشكله من رافعة هامة للتنمية في كل تجلياتها.
و إذا كانت  العدالة الناجعة تلعب دورا هاما في جلب الاستثمار وتشجيعه ، فإن هذه العدالة عندما تقوم على الإنصاف ، وتتسم بالفاعلية والسرعة والمرونة واليسر ، تكون كفيلة بأن تبدد المخاوف وتعطي الشعور بالأمن والارتياح ، وتحقق مقومات النجاح . 
إن اهتمام المملكة المغربية بتشجيع الاستثمار باعتباره خيارا استراتيجيا، هو في الأساس رؤية ملكية سامية، وتوجه رسم خطوطه صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، بتأكيده في عدة مناسبات على ضرورة إيلاء الاستثمار فائق العناية، وتذليل جميع العقبات التي تحول دون تشجيعه ، وإيجاد الظروف الملائمة لجلبه ، والعمل على تحسين مناخ الأعمال .
وإنه لذو دلالة بالغة أن يؤكد جلالته، في  ثلاث مناسبات متتالية و في مدة زمنية متقاربة على أهمية الإستثمار في تحقيق التنمية و  تنشيط الدورة الاقتصادية و خلق فرص الشغل ، حيث أكد جلالته حفظه الله في خطاب العرش يوم 29 يوليوز 2019 على أن المرحلة الجديدة، التي نحن مقبلون عليها، حافلة بالعديد من التحديات والرهانات الداخلية والخارجية، التي يتعين كسبها؛ و من هذه الرهانات ” :رهان عدم الانغلاق على الذات، خاصة في بعض الميادين، التي تحتاج للانفتاح على الخبرات والتجارب العالمية، بما يتيحه من استفادة من فرص الرفع من تنافسية المقاولات و الفاعلين ، مؤكدا جلالته ان الاستثمار الأجنبي ، سيدعم جهود الدولة، ليس فقط في توفير الشغل، وإنما أيضا في تحفيز التكوين الجيد، وجلب الخبرات والتجارب الناجحة .
و هو نفس التوجه الذي أكده خطاب جلالته الأخير أمام أعضاء مجلسي البرلمان يوم الجمعة 11 أكتوبر 2019 حيث دعا حفظه إلى ضرورة الاستمرار في تشجيع الاستثمار، موجها كلامه السامي إلى القطاع البنكي حيث قال جلالته:  ” أعرف جيدا أنه من الصعب تغيير بعض العقليات البنكية ؛كما سبق أن أكدت على ضرورة تغيير العقليات الإدارية، ووضع حد لبعض التصرفات، التي تعيق التنمية والاستثمار .

لذا، نحث القطاع البنكي الوطني على المزيد من الالتزام ، والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية، التي تعيشها بلادنا، لاسيما تمويل الاستثمار، ودعم الأنشطة المنتجة والمدرة للشغل والدخل. ”     انتهى النطق الملكي الشريف.
و ها هي  ذي الرسالة الملكية السامية التي تُلِيَتْ على مسامعكم قبل قليل تعيد التأكيد مرة أخرى  على أهمية تظافر جهود مختلف الفاعلين في منظومة العدالة من أجل الإسهام في المجهود المبذول  لخلق فضاء آمن للإستثمار بكل أبعاده و امتداداته ، من خلال اعتماد مقاربة شمولية و مندمجة تستهدف إجراء المراجعات اللازمة لمختلف النصوص القانونية المؤطرة لمجال المال و الأعمال .  
أصحاب المعالي ؛  أصحاب الفضيلة ؛ حضرات السيدات والسادة ؛ 
تفاعلا مع هذا التوجه الملكي الكريم ، و حرصا على إنجاح فعاليات هذا الملتقى الدولي الهام ، ستنكب أشغالنا طيلة هذين اليومين على مناقشة أهم الإشكالات المرتبطة بموضوع الاستثمار ، و لاسيما من حيث تحديث المنظومة القانونية للأعمال ، و تعزيز دور القضاء في تحسين مناخه ، و توظيف التكنولوجيا الحديثة لتحقيق النجاعة و الفعالية في أداء كل مكونات منظومة العدالة ، إضافة إلى دراسة أفضل السبل الكفيلة بتعزيز التعاون الدولي في مجال المال و الأعمال ،           و ضمان الاستفادة من التجارب الدولية الفضلى ، انتهاء إلى اعتماد تصورات مشتركة واضحة ، و اقتراح أفكار و توصيات من شأنها أن تشكل أساسا للمراجعات التشريعية اللازمة في منظوماتنا التشريعية الوطنية ، و تساهم في تحسين مناخ الأعمال و تجويد الممارسة العملية في مجال العدالة المرتبطة بالمال و الأعمال و الاستثمار . 
أصحاب المعالي ؛  أصحاب الفضيلة ؛ حضرات السيدات والسادة ؛ 
تعزيزا للمجهود التشريعي الذي بُذِلَ لتحسين مناخ الأعمال بالمغرب خلال السنتين الاخيرتين ، و الذي توج بصدور  عدد هام من القوانين المهيكلة ، و تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية بهذا الخصوص ، تعتزم وزارة العدل بالتنسيق                           و التعاون مع باقي القطاعات الحكومية المعنية و المؤسسة التشريعية ، و كل مكونات منظومة العدالة تنزيل باقي النصوص القانونية المُضَمَّنَة في المخطط التشريعي ، و كذا النصوص التنظيمية المتعلقة بالقوانين المصادق عليها ،                       و ذلك خلال الامد القريب و المتوسط ، و يتعلق الامر بما يلي:
1- تسريع مسطرة المصادقة على نصوص تشريعية و تنظيمية  تتيح إمكانية التقاضي عن بعد اعتبارا لما سيكون لها من أثار إيجابية على تسريع مسطرة التقاضي و لاسيما في المجال التجاري المتسم بطبيعته بالسرعة . 
2-تسريع مسطرة الإحالة بشأن مشروع قانون التنظيم القضائي الذي يتضمن مقتضيات من شأنها ضمان تقريب خدمات القضاء التجاري من المتعاملين و الفاعلين الاقتصاديين.  
3- التعجيل بالمصادقة على مشروع القانون المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية.
4- تكثيف المشاورات مع كل الفاعلين و المتدخلين للانتهاء من إعداد مشروع القانون المتعلق بالمراكز التجارية الكبرى .
5- إصدار المرسوم المتعلق بتنظيم  و مسك السجل الوطني للرهون مع بداية سنة 2020.
6- إصدار المرسوم و قرار وزير العدل المنظمين للسجل التجاري بما يتلاءم مع قانون إحداث المقاولات عبر الخط ، مع بداية سنة 2020.
7- إصدار المرسوم المتعلق بالمؤهلات المطلوبة لمزاولة مهام السنديك، والأتعاب المستحقة عن المهام التي يباشرها في إطار مسطرة صعوبات المقاولة ، و ذلك خلال سنة 2020.
و في نفس السياق ، فإن الجهود متواصلة للانتهاء من وضع السجل الوطني للرهون و الذي من المتوقع ان ينطلق العمل به مع بداية سنة 2020 ، كما أن منصات التبادل الإلكتروني مع السادة المحامين و المفوضين القضائيين و الموثقين و العدول قد وصل تنزيلها إلى مراحل متقدمة ، و الأمل معقود على انخراط كل المهن لإنجاح هذا الرهان الاستراتيجي . 
    و بالموازاة مع هذه الجهود ستعمل وزارة العدل بتعاون و تنسيق مع شركائها في منظومة العدالة على مواصلة ورش التكوين و التكوين المستمر و التكوين التخصصي بما يسهم في الرفع من القدرات المؤسسية لمختلف الفاعلين داخل هذه المنظومة لمسايرة المستجدات   و المتغيرات الوطنية و الدولية .   
أصحاب المعالي ؛  أصحاب الفضيلة ؛ حضرات السيدات والسادة ؛ 
لنا اليقين أنه بحجم حضوركم ونوعية مشاركتكم، ستجعلون من هذا المؤتمر فضاء تُحْبَكُ فيه الأفكار وتُصقل فيه التجارب وتُتداول فيه الممارسات الفضلى، وتُنسج فيه الحلول المبتكرة ، وتُبْدِعُ فيه الرؤى المستنيرة التي ستشكل، لا محالة، مَعِيناً ثَرّاً لا يَنْضُب، يَنهل منه كل مشارك وفق ما يناسب حاجياته.
وإننا نتطلع إلى أن تكون مُخرجات هذا المؤتمر ومقترحاته وتوصياته في مثل غنى حضوركم الوازن، بما يُسهم في إغناء مجال الأعمال والاستثمار.
 في الختام، أجدد الترحاب بكم في بلدكم الثاني، راجيا لكم فيه طِيبَ المُقام، شاكراً لكم تلبية الدعوة وإتاحة فرصة اللقاء بكم من أجل تداول التجارب وتبادل الرؤى   والأفكار، إسهاما نُقَدِّرُه منكم، ونُثَمِّنُه عاليا فيكم.
وفقنا الله لما فيه الخير، وألهمنا سُبل النجاح والفلاح، وكَلَّلَ أشغال هذا المؤتمر بالسَّداد والرشاد.                   والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.